كيف باع ويبيع النظام السوري سوريا ومقدراتها لروسيا وإيران لعقود قادمة

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

من يتابع ماقام به النظام السوري، من منح ستثمارات لروسيا وإيران ويعلم أنه بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 وإصرار النظام على إخماد الثورة بالقوة، ومن ثم تعنته في خيار الاستمرار بالحكم مهما كلّف الثمن، ومع اتساع رقعة الثورة وتحولها من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة وسيطرة الثوار على معظم الأراضي السورية، وجد النظام نفسه بحاجة للاقتراض لتمويل آلته الحربية، خاصة وأنه فقد معظم موارد الدولة وتعطل الاقتصاد بشكل شبه كلي.

فبسبب الطبيعة الاستبدادية للنظام السوري، وبالتالي غياب الشفافية لا يمكن الاستناد إلى المعلومات المتوافرة حول حجم الدَّين الذي رتّبه النظام على خزينة الدولة، وذلك لكون معظم هذه المعلومات مصادرها غير رسمية، وتعتمد التخمين في أغلب الأحيان، رغم ذلك فالتخمين الوحيد الذي يمكن الركون إليه هو أن النظام لجأ إلى الاستدانة لتغطية نفقات حربه على الشعب الذي أصبح يطالبه بالرحيل، إذن فالديون التي تراكمت على النظام تعود في غالبيتها العظمى إلى سنوات ما بعد الثورة الشعبية التي اندلعت قبل أكثر من عشر سنوات من الآن، وهو ما يزيد من إمكانية تصنيفها كديون بغيضة أو مقيتة أو غير مشروعة.

يعتبر الروسي “ألكسندر ساك” أول من طرح مفهوم الدَّين البغيض كنظرية شبه متكاملة في عام 1927، حيث تناول “ساك” مفهوم الدَّين البغيض بصدد مصير الديون الخارجية للدولة في حالة التغيرات التي تصيب نظام الحكم في الدولة أو في شكل الحكومة، وقرر بشأن ذلك أنه يُعدّ الدَّين بغيضاً إذا عُقد الدين لغايات غير سدّ حاجة عامة أو لمصلحة الدولة، وإنما لتقوية نظام الحكم في الدولة حتى يتمكّن من قمع أية محاولة شعبية للتمرد عليه، مضيفاً أنّ هذه الديون لا تلزم الحكومة اللاحقة بحسبان أن الدَّين إنما هو دين شخصي على النظام الحاكم ويسقط بسقوطه.

ومن أجل تجنب الاستخدام العشوائي لنظرية الدَّين المقيت، فقد حدد الأستاذ “ساك” بعض المعايير التي يجب توافرها عند التمسك بهذه النظرية للتخلص من الالتزامات المالية التي أبرمها النظام السابق، وهي:

على الحكومة الجديدة أن تثبت ما تدّعي، وعلى المحكمة داخلية أو دولية أن تتيقن من تحقق الآتي:

‌- إن الحاجات التي استندت إليها الحكومة السابقة من أجل إبرام الدَّين كانت مقيتة، وتتناقض بوضوح مع مصالح الشعب كله أو جزء منه.

‌- إن الدائنين كانوا على دراية تامة لحظة دفع القرض بأغراضه المقيتة.

2- عند تحقق هاتين المسألتين، على الدائنين أن يثبتوا عكس ما تقدّم، وذلك بأن الأموال المتحصلة من هذا القرض لم تستخدم لأغراض مقيتة (أغراض ضارة بالشعب كله أو جزء منه) ولا تحمل صفة المقت.

في الاصطلاح القانوني تُشكّل فكرة الديون الكريهة اجتهاداً فقهياً في المقام الأول وحكماً أخلاقياً أو سياسياً. فليس لهذا المفهوم معنى دقيق في القانون، رغم ذلك فإن القانون الدولي المعاصر وكذلك القوانين الوطنية توفر أسساً قانونية صلبة لنظرية الدَّين البغيض، أسس تستمد قوتها من عديد القواعد الآمرة واجبة التطبيق والتي توفر قوة قانونية حاسمة للطرف الذي يقوم بالدفع بالنظرية، وأهمها: مبدأ الإثراء دون سبب ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ومبدأ حسن النية في العلاقات الدولية، والبطلان الجوهري للفعل القانوني في القانون الدولي.

للاحتجاج بأن ديون النظام السوري هي ديون بغيضة غير واجبة السداد من قبل الحكومات المقبلة تبدو المهمة غير معقّدة من الناحية النظرية، فالشروط الواجب توافرها في دَين ما كي يعدّ ديناً بغيضاً، كلها متوافرة في حالة النظام السوري. إلا أن هذا ليس بخفيٍ على روسيا وإيران، ويعلم الطرفان أن سقوط النظام قد يجلب معه تبخّر الديون، لذلك ورغم أن حجم الديون المقدّمة من قبل هاتين الدولتين غير معروف بسبب الطبيعة الاستبدادية لأنظمة الحكم في الدول الثلاث، إلا أنه من غير المتوقع أن تكون الديون بأرقام خيالية، ذلك أن هاتين الدولتين فضّلتا العقود والامتيازات كبديل عن السداد، من ذلك مثلاً،عقود مع شركات روسية للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الحقول المتبقية في يد النظام. عقود مع شركات روسية تضمن لها أحقية التنقيب واستخراج الفوسفات من المنطقة الشرقية الواقعة جنوب مدينة تدمر، وعقد تأجير مرفأ طرطوس لشركة روسية لمدة 49 عاماً، أما بالنسبة لإيران فزادت استثماراتها بشكل كبير وشملت مجالات الإلكترونيات والبتروكيماويات والجرارات والنقل ومواد بناء وتعهدات إنشاء وحدات سكنية، وفي الآونة الأخيرة بدأنا نسمع عن منح أراضٍ لإيران وتوقيع مزيد من العقود والحصول على مزيد من الامتيازات.

لعدم ثقتها بالطرف المدين ولتخوفها من فقدان هذه الديون في حال زوال النظام الحاكم؛ لجأت كل من روسيا وإيران إلى الحصول على المزيد من الامتيازات والعقود التي تضمن لهما استرداد قروضهما، كما تضمن لهما النفوذ في سوريا مستقبلاً، وكل هذا يعني زيادة في تعقيد القضية السورية من جهة، ومن جهة أخرى يشير إلى حجم الكارثة التي أورثها النظام للأجيال القادمة.

خلاصة القول أن النظام السوري لاينظر إلى مستقبل الشعب السوري، إن كان جاع أو افتقر ،فهمه الوحيد البقاء مسيطرا على الحكم ،فإن كان بشار أو حافظ الأسد قبله ومنذ السبعينات جعلوا من سوريا ومقدراتها ،مزرعة لآل الأسد يلعبون بها كما يريدون ،فسوريا الدولة الوحيدة في الوطن العربي متكاملة اقتصاديا ،لو أن أي رئيس استلم زمام الأمور فيها وسرق نصف ثروتها لكان شعبها مرفها مثل دول أوربا المزدهرة ،لكن آل الأسد سرقوا الجمل بما حمل .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.