ذكرى الثورة السورية في وجدان صانعيها الأصلاء 

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

ذكرى الثورة السورية مختلفة هذه السنة، ليس فقط قياساً للذاكرة العصية على النسيان، التي أظهرها السوريون بالمناسبة في الداخل والشتات، وإنما لتزامنها مع الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أعاد القضية السورية العادلة إلى دائرة الضوء وعناوين الصحف ووسائل الإعلام العالمية، من باب عرض جرائم الغزو الروسي لأوكرانيا وإبداء الندم والاعتذار للسكوت عن الجرائم المماثلة في سوريا.

بداية ثمة مفاهيم متعلقة بالثورة السورية النبيلة لا يمكن أبداً القفز فوقها، وقاعدتها الأهم أنها عادلة ومحقة ضد نظام الاستبداد والفساد الذي أمّم أولاً كل شيء لصالح السلطة الحاكمة في عهد الأسد الأب، ثم خصخص ما أمّم لصالح العائلة الحاكمة في عهد الأسد الابن ضمن تكريس توارث السلطة وتحويل الجمهوريات إلى ملكيات مقنعة.

النظام نفسه كان قد فشل في امتحان بل امتحانات الخبز والحرية والكرامة، وقبل ذلك وبعده امتحان فلسطين القضية العادلة التي استغلها كبقية أنظمة الاستبداد والفساد لقهر وإذلال وإفقار الناس، وفق الشعار الكاذب سيئ الصيت “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” مع الاحتلال الإسرائيلي لتحرير فلسطين.

إلى ذلك لا بد من التأكيد على أن الثورة السورية تعبّر عن المزاج السوري العربي العام، وهي تشبه تماماً الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن، وتعد امتدادا طبيعيا لها كونها اندلعت ضد نفس المنظومة المتشابهة، بينما تختلف درجة بشاعتها فقط. ولا شك أن نظام الأب والابن في سوريا هو الأكثر بشاعة ، نظراً للطابع الأمني- الطائفي له، ما يفسر من جهة أخرى اتباعه الخيار العسكري والنموذج المصراتي التدميري ضد الشعب الثائر، كما رأينا في حمص وحلب ومدن سورية أخرى.

وبناء عليه يمكن الاستنتاج بل التأكيد على أن النظام البشع سقط وانتصرت الثورة السورية منذ أن خطَّ أطفال درعا بأناملهم الرقيقة “يسقط الديكتاتور”، وحتى منذ نزول ملايين المصريين إلى ميدان الثورة في القاهرة، ومنذ أن أحرق الشهيد محمد بوعزيزي جسده الطاهر مشعلاً النار في السياق بمنظومة الاستبداد العربية كلها التي حكمت ما بعد الاستقلال، سواء بشكلها الناعم أو حتى الخشن.

ومن هنا لم يكن غريباً بدون أدنى شك انتصار الثورة السورية على النظام وآلته القمعية، رغم جرائم الحرب التي ارتكبها من القتل إلى التهجير والتدمير واستخدام كافة أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، بما في ذلك البراميل المتفجرة باعتبارها اختراعا حصريا للنظام البشع والبغيض.

بعد ذلك انتصر الشعب الثائر على المليشيات والحشود الشعبية الطائفية الموتورة، وعلى إيران وحرسها وضباطها وجنودها وخبرائها. والانتصار المعنوي الأهم كان على الحشد الشعبي الإعلامي الناطق بالعربية، عبر نسف روايته المبنية على تزوير الحقائق وشيطنة الثورة السورية وملايين السوريين المدنيين العُزّل إلا من إيمانهم بقضيتهم وعدالتها في مواجهة النظام الاستبدادي الساقط.

روّج الحشد الشعبي الإعلامي وفي سنوات تقدم الثوار، مصطلح سوريا المفيدة التي أسماها الأسد الابن المتجانسة (الطائفية) فيما بعد، لتبرير مشاركته جرائم النظام رغم أن سوريا المفيدة بالثروات الطبيعية من ماء وغذاء ونفط، علماً أن النظام استقدم الغزاة والاحتلالات على أنواعها وأشكالها للبقاء شكلاً ولو فاقد السيادة في السلطة.

بعد فشل إيران ومليشياتها تم استجداء روسيا لاحتلال سوريا، علماً أنها أنقذت أو حمت النظام مؤقتاً مرحلياً وتكتيكياً، وبالتأكيد ليس استراتيجياً في ضوء نهايته الحتمية ولو بعد حين، خاصة مع الفشل المتتالي للمعادلات الشيطانية التي ابتدعها هو وشبيحته المتضمنة الأسد أو نحرق البلد، والأسد أو نحرق المنطقة، بينما وصل الجنون والانفصام بأصحابها ذات يوم حتى لتوسيعها والقول الأسد أو نحرق العالم.

الثورة السورية هي بالتأكيد أيضاً كاشفة ويتيمة، والذي تعاطى معه العرب تماماً كإخوة سيدنا يوسف، حيث شهدنا تخليا عربيا عنه رغم بدايات جيدة واكبت صعود الثورات الأصيلة في الحواضر العربية، من القاهرة إلى تونس وطرابلس وصنعاء، لجهة التعاطي مع نظام الأسد كجزء من منظومات الاستبداد التي أسقطتها الثورات. ومن هنا شهدنا محاولات يائسة لإحيائها وإعادة إنتاجها عبر بشار الأسد في سوريا.

الغزو الروسي لأوكرانيا كان مناسبة على تأكيد الازدواجية الغربية والدولية، ليس فقط اتجاه الثورة السورية، علماً أن الغزو الروسي لسوريا تم بناء على ضوء أخضر أو برتقالي من الغرب.

في الازدواجية الغربية لا بد من التذكير كذلك بتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلني الذي اعتبر فيه أنه لا مشكلة لديه مع بشار الأسد، كون هذا الأخير لا يقتل الفرنسيين وإنما شعبه فقط، بينما انتفضت أوروبا نسبيا فقط بعد أزمة اللاجئين السوريين، وباتت معنية فقط بمنع وصولهم عبر معالجة العرض لا المرض المتمثل ببشار الأسد ونظامه الإجرامي.

ورغم كل ذلك المد والجزر الذي تشهده المنطقة ،ومحاولات بعض الأنظمة العربية إعادة النظام السوري إلى الواجهة من جديد وفتح العلاقات معه ،يبقى القرار الأول والأخير للشعب السوري، فزعماء هذه الأنظمة لم تر البراميل المتفجرة ولم تتذوق طعم القتل والتدمير ولا والاعتقالات ولم يغتصب النظام حرائرهم العفيفات ،ولم تهدم بيوتهم ولم تهجر عوائلهم.

فالشعب السوري هو صاحب القضية وهو من يقرر من يحكمه ،صحيح أنه شاب الثورة السورية رواسب المنتفعين وسراق أموال الثورة على يد شلة من المرتزقة ممن يدعون أنهم قيادات الثورة، لكن الحقيقة الثورة السورية من يحمل لواءها هو الشعب الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل القضاء على الظلم والاستبداد والفساد بكل أشكاله ،ولن يخذلهم الله لأن الثورة السورية ثورة حق على باطل وثورة أحرار على نخاس الأفاق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.