جسر ديرالزور المعلق تاريخ عريق ورمز افتخر به أبناء الفرات

لوتنقلت بين أرجاء سوريا لوجدت في كل بلدة نكهة تميزها عن غيرها فهي فسيفساء جميلة شكلت لوحة رسم خلالها تاريخ امتزج بقديم أصيل وحاضر نبيل. وجمال هذه اللوحة يتضح أكثر للرائي عندما يفتح الحديث عن ديرالزور ولايمكن لأي شخص يزور هذه المدينة الجميلة أو يتنقل بين ثنايا تاريخها
إلا أن يذكر جسرها المعلق.
يعتبر أهم معلم أثري في مدينة دير الزور، ويعود تاريخ بنائه إلى زمن الإنتداب الفرنسي حيث بدء بنائه عام 1925، واستخدم في بنائه الاسلوب الغربي في بناء الجسور المعلقة، قام بتعهد الجسر الشركة الفرنسية للبناء والتعهدات تحت إشراف المهندس الفرنسي مسيو فيفو، واستمر بنائه 6 سنوات مات خلالها عدد من أبناء المدينة، وهناك من كبار السن في دير الزور من يقول إن بعضا من العمال سقطوا داخل الكتل الخرسانية التي تحمل الجسر أثناء سكب الإسمنت فيها ولا تزال جثثهم داخلها حتى الآن، وقد انهت الشركة الفرنسية بناء الجسر في شهر أذار سنة 1931 ويعتبر ثاني جسر معلق في العالم بعد جسر يقع في جنوب فرنساوأطلق عليه الجسر الجديد وذلك للتفريق بينه وبين الجسور الأخرى عرِف بعد ذلك بالجسر المعلق أو جسر دير الزور المعلق.
وللجسر المعلق خصوصية كبيرة عند أهالي دير الزور إذ طالما ذكر في قصائد الشعراء ولطالما كان لأهالي المدينة ذكريات هناك فلا يكاد يخلو منزل في دير الزور من صور أفراده إما أثناء قفزهم منه باتجاه النهر للسباحة، وإما جلسة عائلية أو صورة ذكرى لمتزوجين حديثاً، وإما مجرد لقاء عابر لأصدقاء، بل إنه من عادة أهل دير الزور حين زف عروس إلى زوجها أن يأخذوها لتسير فوق الجسر أو تمر بالقرب منه أثناء الزفة.
ومن أجمل القصائد التي قيلت فيه ماكتبه الشاعر إسماعيل الحمد :

رَعى الجِسْرُ المُعلّقُ مُلْتقانا
                              وغَشّى الذّكرياتِ شَذا لِقانا
ويَسْتَرِقُ المَساءُ السّمْعَ فِينا
                              إذا همَسَ الفُراتُ إلى مَسانا
نمُرّ علَى نسائمِه فَتمْشي
                             بنا في موكبِ الذّكرى خُطانا
وتَعْبرُ فوْقَنا الغَيْماتُ تهْمِي
                                  فيبْرَحُنا الرّّذاذُ إلى سِوانا
وتجْمعُنا مظلّتُنا فَنأوي
                                  إلى بَعْضٍ ويَحضُنُنا هوانا
ونُمْسكُ في مظلّتَنا سَوِيّا
                                  فيَغْرَقُ في عَواطِفِنا نُهانا
فنَنْأى عنْ شُعاعِ البدْرِ حتّى
                                نراهُ مـِنَ السّحابِ ولا يَرانا
وحين يُجولُ وحْيُ العَينِ فينا
                                        تُذوِّبُنا بِما نَهْوى عُرانا
ويَغْبِطُنا الوُجودُ إذا الْتقَيْنا
                             ويسْرَحُ فِي مَدَى الدّنْيا مَدَانا
لكن أعداء الحضارة والإنسانية كما هو معروف عنهم دئما لابد أن يحاولوا طمس جمال وعبق التاريخ بهمجيتهم المعهودة
ففي أوائل أيار عام 2013 دُمّر الجسر المعلق عبر استهداف الدعامة الثالثة له مباشرة بقذائف مدفعية، الأمر الذي تسبب في تدمير الأسلاك الحاملة لبدن الجسر وانهياره بشكل كامل، وبقاء الدعامات الحاملة شاهدة على ما حدث. فكان هذا اليوم يشكل ليلة سوداء من ليالي هذه المدينة الحالمة التي ثكلت بأعز أولادها ألا وهو الجسر المعلق

إعداد : مروان مجيد الشيخ عيسى

إعداد : ابراهيم حمو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.