أن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول إمكانية ضم كندا أو جزيرة جرينلاند إلى الولايات المتحدة الأمريكية تمثل نموذجًا للتصريحات الشعبوية التي تعكس شخصية ترامب النرجسية والجدلية، فهذه التصريحات “غوغائية” وتعبر عن طموحات غير واقعية لرئيس يفتقر إلى رؤية استراتيجية للدولة، مفضلًا إطلاق شعارات إعلامية تستهدف إثارة الجدل، فالولايات المتحدة دولة مؤسساتية يحكمها الدستور والقانون، ما يجعل من المستحيل تنفيذ هذه الأفكار التي يطرحها ترامب.
أن النظام السياسي الأمريكي لا يخضع لرغبات رئيس شعبوي، إذ ترتكز السياسات الكبرى، وخاصة المتعلقة بالحرب والسلم، على موافقة الكونغرس والمؤسسات الأمريكية الأخرى، وليس على قرارات فردية، فعندما يتولى ترامب أو غيره منصب الرئاسة، سيصطدم بالمنظومة القانونية والمؤسساتية في الولايات المتحدة، والتي تضع حدودًا واضحة لأي طموحات غير واقعية.”
أن كل من كندا والدنمارك، التي تتبع لها جزيرة جرينلاند، عضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو تحالف عسكري تأسس بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حماية الأمن المشترك، أي أن أي محاولة للاعتداء على سيادة هاتين الدولتين ستؤدي إلى انهيار التحالف برمته وتفكك العلاقات بين ضفتي الأطلسي، فتصريحات ترامب تتناقض مع المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الأمم المتحدة، وأبرزها احترام سيادة الدول الأعضاء والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
و العمل على تنفيذ مثل هذه الأفكار قد يؤدي إلى تدمير النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وان ضم كندا أو جرينلاند من خلال القوة العسكرية يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً على سيادة دول أعضاء في الأمم المتحدة. هذه التصريحات تُظهر نزعة ترامب الشعبوية والنرجسية، التي تفتقر إلى أي أسس واقعية أو قانونية”.
و تصريحات ترامب أثارت جدلًا واسعًا، خاصة في الأوساط الأوروبية، و لم تقتصر على الردود من الدول المستهدفة مثل كندا والدنمارك، بل امتدت إلى بقية الدول الأوروبية، التي ترى في مثل هذه التصريحات تهديدًا للنظام الدولي.
ومع ذلك، فهذا الجدل لم يصل إلى المؤسسات الرسمية الأمريكية أو النخب السياسية، بل بقي محصورًا في تصريحات ترامب الشخصية، ما يعكس طبيعته الشعبوية ونزوعه إلى إطلاق شعارات تستهدف استثارة الجدل.
وفيما يتعلق بولاية ترمب الثانية، ، لن تكون “مفروشة بالورود”، بل أن هناك العديد من القضايا القانونية التي تُلاحق ترامب، مثل قضية “شراء الصمت” مع ممثلة أمريكية سابقة، والتي قد تؤدي إلى محاكمات معقدة.
وسوف بواجه ترامب عقبات داخلية كبيرة، بما في ذلك الخلافات داخل الحزب الجمهوري نفسه، حيث لا يتفق جميع الجمهوريين مع طروحاته.
و لن يحظى بدعم كامل داخل الكونغرس، حتى في حال سيطرة الجمهوريين. هناك انقسامات واضحة داخل الحزب بشأن سياساته وتوجهاته”.
يوجد هناك تشابه أيديولوجي بين ترامب واليمين الإسرائيلي، ممثلًا في وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، خاصة في نظرتهم التوسعية.
و”يتناغم الفكر التوسعي لترامب مع سياسات سموتريتش، ولكن هناك اختلافات جوهرية في الواقع السياسي لكل منهما، في إسرائيل، تنبع سياسات الضم من منطلقات عقائدية ودينية، وتحظى بدعم المؤسسات السياسية والعسكرية مثل الكنيست والجيش، أما في الولايات المتحدة، فإن أفكار ترامب التوسعية لا تنبع من أيديولوجيا، بل من طموحات شخصية اقتصادية ومصلحية”.
و أن إسرائيل تعتمد على “سلطة الأمر الواقع” في تطبيق سياسات الضم، بينما تفتقر الولايات المتحدة إلى أي سياق مؤسساتي أو دولي يمكن أن يدعم مثل هذه التوجهات.
ومن المحتمل أن تؤدي تصريحات ترامب إلى تعميق الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، خاصة في ظل تعقيد العلاقات بين ضفتي الأطلسي.
و”هذه التصريحات تزيد من حالة التخبط في السياسة الخارجية الأمريكية، وتُضعف التحالف الغربي التقليدي. كما تُعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة في عهد ترامب مستعدة لتجاوز القوانين الدولية لتحقيق أهدافها، ما يُضعف مصداقيتها عالميًا”.
أن ضم كندا أو جرينلاند ليس مجرد صفقة عقارية أو مشروع استثماري يمكن أن يُنفذه ترامب، بل هو مسألة سيادة وطنية للشعوب المستهدفة، وحقها في تقرير مصيرها،
و “لا يمكن تجاوز القانون الدولي أو المبادئ التي تأسست عليها المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، فتصريحات ترامب تعكس فهمًا محدودًا لهذه المبادئ، وتفتقر إلى الواقعية السياسية”.
أن تصريحات ترامب لن تتجاوز كونها شعارات شعبوية تُطلق لإثارة الجدل.
و”النظام السياسي الأمريكي، القائم على مؤسسات قوية ودولة عميقة، لن يسمح بخروج هذه التصريحات عن نطاق الإعلام. كما أن المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة، لن يتسامح مع أي محاولة للاعتداء على سيادة دول أعضاء في الأمم المتحدة. ما يفعله ترامب هو محاولة توظيف هذه التصريحات لخدمة طموحاته الشخصية، لكنها تفتقر لأي أرضية واقعية أو سياسية لتنفيذها”.