المرأة حرة.. ترث مثلها مثل الرجل.. قانوناً إجتماعياً ودستوراً سماوياً

سوريا – فريق التحرير

المرأة حياةٌ ومدرسة متكاملة الأركان قادت مجتمعات الأرض في بدايات الكون تعلمت من الطبيعة وروضتها واجتمعت معها في عنصر العطاء غير المنقطع للبشرية لكن كلاهما أضطهد وهضم حقه فلا الطبيعة رحمها البشر ولا المراة منحت حقها في موازين العدل والمساواة بمجتمعاتٍ حكمها الجشع والنكران.

 

ذهنية الجاهلية التي تستند للقول الجاهلي: “لا يرثنا إلا من يحمل السيف”،، يفتح الباب لنقاشٍ موسع في ملف المفهوم السائد وهو حرمان المرأة من الإرث والتي على ما يبدوا لا يزال هذا القول المأثور عن الجاهلية يحكم بعض من مجتمعاتنا اليوم من خلال التعاطي بأن المرأة ليس لها حق في الإرث بل وهرب جواد بعضهم ليصل الى ان يوصي قبل موته بأنه لا حق للإناث بتركته ومن يرثه هم فقط الذكور.

 

فهذا ينافي القانون الذي يستوجب منه ألا تؤخذ هذه الوصية بعين الاعتبار وشرعاً يكون ارتكب اثماً عظيماً لأنه خالف تعاليم دينه السماوي أياً كان مسيحياً أو مسلماً او يهودياً …

 

لكن تبقى المعضلة هي في المفهوم المتوارث منذ عصور الجاهلية والنظرية السردية عن اضطهاد حق المرأة بينما المرأة حتى في العصور البدائية هي راعية الحق وهي ربة العائلة وهي من تكون وتساند وتؤازر الرجل في الحياة كتفاً الى كتف.. 

 

كل ذلك يفرض علينا إعادة النظر في السرديات القانونية للأمم الغابرة فنجد من اقدم القوانين التي سادت العالم حينها هو القانون الأثيني فالنساء في أثينا الكلاسيكية في القانون الأثيني القديم تفتقر المرأة للحقوق القانونية مقارنة بنظرائهم من الذكور ومنعت قانونياً من المشاركة حتى في عقود بمبالغ مالية كبيرة. 

 

أما القانون الروماني فهو مماثل الى حدٍ كبير للقانون الأثيني حيث انشئه رجال لصالحهم فلم يكن صوت النساء مسموع ولم يكن لها دور في المجتمع فهو نظام أبوي بامتياز لكن كان للبنات حقوق ميراث مساوية لحقوق الأبناء إذا توفى الأب دون أن يترك وصية.

 

بينما القانون البيزنطي فكان يستند بشكل أساسي على القانون الروماني فإن الوضع القانوني للمرأة لم يتغير بشكل كبير لكن التقييد التقليدي للمرأة في الحياة العامة وكذلك العداء ضد المرأة المستقلة مستمر فلا يمكن أن تكون النساء شهود قانونيين، أو يعملن بالإدارات أو يديرن مصرف، لكن لا يزال بإمكانهن وراثة الممتلكات وتملك الأراضي.

 

وفي أوائل العصور الوسطى حدث جهد مبكر لتحسين وضع المرأة خلال الإصلاحات المبكرة في ظل الإسلام فالقانون او التشريعات الإسلامية منحت المرأة حقوقًا أكبر في التعليم الذي كان محرماً عليها بات واجباً مقدساً ولها حقوق في الزواج والطلاق والميراث فبحسب قاموس أكسفورد للإسلام .. أن التحسين العام لحالة المرأة العربية يشمل حظر قتل الإناث والاعتراف بشخصيتها الكاملة للمرأة بموجب الشريعة الإسلامية، لم يعد يُنظر إلى الزواج كحالة ولكن ينظر إليه كعقد، حيث كانت موافقة المرأة ضرورية.

 

كانت ممتلكات النساء المتزوجات بما في ذلك الأرض محتجزات بأسمائهن الخاصة ولم تصبح بأي شكل أو نوع ملك لأزواجهن، وهو يختلف بصورة كبيرة عن القوانين في معظم أوروبا حتى العصر الحديث. “مُنحت المرأة حقوق الميراث فبات له الحق وفقًا للقانون بإدارة الثروة التي جلبتها إلى الأسرة أو اكتسبتها من خلال عملها الخاص.

 

وذلك كان في وقتٍ يشدد القانون العام الإنجليزي على ضرورة نقل ملكية المرأة إلى زوجها عند الزواج الذي يتناقض مع الإسلام في سورة النساء «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا».

 

ولو توجهنا شرقاً لنظرنا في القانون الروسي فبموجب القانون والعرف كان المسكوفيت مجتمعًا بطريركيا خضعت فيه النساء للرجال فعانت النساء الروسيات من القيود المفروضة على ممتلكاتهن فلم يكن بمقدورهن ان يرثن ممتلكاتهن حتى يتزوجن وكان ذلك سائداً حتى عام 1753 عندما صدر مرسوم تضمن أن العائلات النبيلة تستطيع تأمين ميراث إبنتها بجعله جزءًا من مهرها وتحسنت حقوق المرأة قليلاً بعد ظهور الاتحاد السوفيتي تحت الشيوعية.

 

وفي الصين كانت النساء في جميع أنحاء الصين التاريخية والقديمة يعتبرن أقل شأنا وكان لها وضع قانوني تابع على أساس القانون الكونفوشيوسي في الإمبراطورية الصينية، شجعت «الطوائف الثلاثة» البنات على طاعة آبائهم والزوجات على طاعة أزواجهن والأرامل علي طاعة أبنائهن. لا يمكن للمرأة أن ترث الأعمال أو الثروة، وكان على الرجل تبني ابن لمثل هذه الأغراض المالية.

 

وبعد كل ما سلف نقتنص الفرصة للحديث عن القانون الذي يحكمنا حديثاً في سوريا فمن المعلوم انه مستند لجزء كبير منه الى الشريعة الإسلامية التي لو قارناها بمعظم تلك القوانين التي حكمت العالم في تلك العصور لوجدناها الأكثر اتزاناً لو طبقت تعاليمها حرفياً.

 

فوفق القانون السوري تنص درجات الورثة والأنصبة الأرثية في القسم الثاني من الباب الثاني في قانون الإرث والوصية في سورية المادة 17 على ان أولاد المتوفى وفروعهم يرثون أبائهم وأصولهم من دون تمييز بين الذكور والإناث, إذا كان للمتوفى ولد واحد ذكراً كان أم أنثى فتنحصر التركة به. وإذا كان الفروع جميعهم من الدرجة الأولى تقاسموا التركة بينهم بالتساوي

 

وعلى الرغم من أن حرمان المرأة من الميراث ليست جديدة في المجتمع السوري لكن نسبة قليلة منها فقط تصل إلى المحاكم بسبب عدم وعي النساء بحقوقهن بما ان البيئة تلعب دوراً كبيراً في الالتزام بالقوانين أو الخضوع للعادات والموروثات الخاطئة.

 

وهذه المعضلة تتفاقم في الأرياف على عكس المدن فالأملاك العقارية المتعلقة بالبيوت والمحلات التجارية فنرى أن لا مانع لدى أهل المدن مثلاً من توريث الإناث بما لا يزيد عن حقهن فيما يُطبّق من الشرع كونها تختلف عن الريف الذي يرتبط في الأرث على المستوى المعنوي باسم العائلة كإرث الأرض الزراعية التي تمتدّ من جيلٍ إلى جيل ويتوقّع أن تبقى باسم الأسرة نفسها.

 

 

وعلى أي حالٍ من الأحوال الميراث حق أساسي للمرأة بكفالة الشرع والقانون السوري الذي يتضمن مواد كثيرة تؤكد أحقية المرأة في الميراث ونصيبها الشرعي، وكيفية تحصيل حقها، لكن في بعض الأحيان يوصي الأب خلال حياته بحرمان بناته من الميراث، أو يقوم الأخوة نفسهم بذلك بعد وفاة الأب. كما أن بعض الأبناء قد يُجبرون أحد الوالدين على تسجيل كل أملاكهم باسمهم بموجب أوراق ثبوتية، أو يستغلّون حالتهم الصحية لجعلهم يدمغون بصماتهم على عقود لبيع ممتلكات

 

ولهذا الغرض نشطت في شمال وشرق سوريا منظماتٌ ومجموعات وهيئات تناصر قضاياها العادلة شرعاً وقانوناً منها منظمة “تاء مربوطة” وجمعية “نوجين” ومركز “سمارت” مستخدمين كل الوسائل الإعلامية والإعلانية والتوعوية عبر توزيع منشوراتٍ واعلاناتٍ طرقية تحث على ضرورة إعطاء المرأة حقها من الميراث فضلاً عن عقد جلسات حوارية مع أطياف المجتمع من وجهاء وحقوقيين ومؤثرين في المجتمع لبلورة حقوق المرأة وإزالة غبار الإرث الجاهلي الذي نسف حق المرأة المنصوص عليه ديناً وقانوناً وتثبيت حقها اجتماعياً في نهاية المطاف وهذه مؤشرات يرى فيها باحثون بأنها بصيص املٍ لنيل المرأة حقها في الميراث دون تمييزٍ او اكراه.

 

فالمرأة حرة.. ترث مثلها مثل الرجل.. قانوناً إجتماعياً ودستوراً سماوياً ….. وما حرمانها الا ضربٌ من ضروب الجاهلية التي تواترتها الأجيال بذهنية الإجحاد والإنكار والجشع فهي الأم والأخت والزوجة والإبنة وهي المدرسة التي تعلم الحياة التضحية والإخلاص والفناء .. فكيف يهضم الرجال حق من حملته وارضعته وربته حتى اشتد عوده وبات رجلاً لينكر حق انثى أخرى تحمل وتنجب وتربي ويشتد عود رجل اخر ليهضم حق انثى أخرى في معادلة خاطئة باتت تحكم طائفة من المجتمع لكن في نهاية المطاف هي معادلة نتيجتها صفرية تحتاج لثورة فكرية وإرادة حقيقية للنهوض وتغيير معطيات العيش كي يصبح للمعادلة نتائج إيجابية بمدلولات الحضارة والرقي والعدل المساواة.

 

 

تم إنجاز هذه المادة بالتعاون مع..

تحالف منظمات مشروع حق المرأة في الميراث ( منظمة تاء مربوطة – جمعية نوجين – مركز سمارت ) بدعم من المركز المجتمعي في القامشلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.