أبو نصر محمد الفارابي، هو أحد أكثر المفكرين الإسلاميين الذين ساهموا في نقل مذاهب (أفلاطون) و (أرسطو) إلى العالم الإسلامي، و كان له تأثير كبير على الفلاسفة المسلمين الذين جاؤوا بعده مثل (إبن سينا).
أكمل الفارابي تعليمه الأساسي في (فاراب) و (بخارى)، و لكن بعد ذلك، ذهب الى بغداد للدراسات العليا، و هناك دَرَس و عَمِلَ لفترة طويلة. و خلال هذه الفترة أصبح يتقن عدة لغات و كذلك عدة فروع من المعرفة و التكنولوجيا.
تتلمذ على يد أبو سعيد السيرافي وعلي بن هارون المنظم والفيلسوف أبو سليمان المنطقي. وانتسب إلى جماعة علي بن عيسى وزير بني الجراح العارف بأصول المنطق وسائر علوم الاغريق وبلاد فارس والهنود كما فعل صاحبه الخطاط يحيى بن عدي.
ساهم الفارابي بشكل كبير في (العلوم) و (الفلسفة) و (المنطق) و (علم الاجتماع) و (الطب) و (الرياضيات) و (الموسيقى)، و لكن المساهمات الكبرى كانت في (الفلسفة و المنطق و علم الاجتماع)، و لهذا يتم وصفه بالشخص (الموسوعي).الفارابي سافر إلى العديد من البلاد البعيدة طوال حياته، و إكتسب الكثير من الخبرات ، و قدم من خلالها العديد من المساهمات، التي كانت سبباً في تذكُّره و الإعتراف به، حتى اليوم.
و على الرغم من مواجهته العديد من المصاعب، لكنه كان يعمل بكل تفاني و وضع اسمه بين العلماء المشهورين في التاريخ.
ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف فأدخل عليه، وهو بزي الأتراك وكان ذلك دأبه دائماً فوقف .
فقال له سيف الدولة اقعد .
فقال: حيث أنا أم حيث أنت؟
فقال حيث أنت .
فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة، وزاحمه فيه، حتى أخرجه عنه.
وكان على رأس سيف الدولة مماليك، ولهم معهم لسان خاص يسارهم به، قل أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللسان: أن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني سائله في أشياء، إن لم يعرف بها فأحرقوا به.
فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير، اصبر، فإن الأمور بعواقبها.
فتعجب سيف الدولة ،وقال له: أتحسن بهذا اللسان. فقال: نعم، أحسن بأكثر من سبعين لساناً .
فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء حاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو، وكلامهم يسفل، حتى صمت الكل، وبقي يتكلم وحده. ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، وصرفهم سيف الدولة، وخلا به.
فقال:
هل لك أن تأكل؟ قال: لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ قال: نعم .
فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل من هو من أهل هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر، وقال له: أخطأت .
فقال له سيف الدولة: وهل تحسن في هذه الصنعة
شيئاً؟ قال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة، وفتحها، وأخرج منها عيداناً، فركبها، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، ثم فكها غير تركيبها، وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وركبها تركيباً آخر، وضرب بها فنام من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياماً وخرج.
توفي الفارابي في دمشق في عام 339 هجرياً / 950 ميلادياً عن عمر 80 عاماً.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى
تحرير: حلا مشوح