السوريون في بلدهم بين الجوع والحرمان وقلة ذات اليد 

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

في كل بلدان الدنيا ،إن ضاقت بهم المعيشة ،يتحولون إلى وحوش مفترسة ،لكن هذا الكلام لاينطبق على أهل الشام ،فهم لايزالون يسطرون أروع القصص في سفر التاريخ .

حيث تبدو أقدم مدينة مأهولة في العالم، هي وحمص وحماة والمدن التي بينها، في طليعة المناطق التي تحارب التغير المناخي، فالجوع إلى الكهرباء حول بيوت السوريين إلى أنظف بيوت على وجه البسيطة خلال أحلك الأيام سواداً مرت على هذا البلد الذي يعتبر غنياً بالموارد إلا أن 90% من شعبه يعيش في فقر.

حتى السوريون من أصحاب المدخول الجيد بات عليهم أن ينتقلوا للطاقة الخضراء، إذ أصبحت العديد من الألواح الشمسية المصنوعة في الصين، والرقيقة كالورق، توصل ببطاريات لتزود البيوت المتواضعة بالطاقة اللازمة لتشغيل الثلاجة والتلفاز والإضاءة، إذ بوجود اثني عشر لوح منها ينعم البيت بكهرباء على مدار الساعة، بما أن محطات توليد الطاقة الكهربائية لم تعد تولد الكهرباء كونها دمرت خلال الحرب، إلى جانب العقوبات التي حظرت وصول الوقود وقطع التبديل إلى هذا البلد، لذا فكلما نعمت البيوت بساعة كهرباء تصلهم عشوائياً من الشبكة، يهتف الأهالي: “إجت الحكومية”، إلا أن ذلك عندما يحدث ينير الإضاءة بشكل خافت، أما الثلاجات فتعمل بصورة متقطعة.

كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار يتراوح ما بين 48-50 ليرة قبل الحرب، أما الآن فقد وصل إلى ما بين 6600-7000 ليرة، ولهذا يحتاج المرء إلى كومة من الأوراق النقدية لشراء كميات كبيرة من المواد، ولتأمين طعام الأسرة، يجب على السوريين أن يعملوا في عدة وظائف، وذلك لأن متوسط الأجر الشهري يصل إلى 18 دولاراً. أما الموظفون لدى الحكومة الذين كانت حياتهم مريحة قبل الحرب والعقوبات، فيحصلون على ما يعادل 45 دولاراً بالشهر، كما يخبرنا موظف في بنك يعتبر نفسه محظوظاً كونه يحصل على 240 دولاراً بالشهر، لكنه بقي بلا زواج وهو الآن يعيش مع أهله، أما الآخر، الذي يعيل ستة أشخاص، فهو مسؤول عن إقامة حفلات الزفاف والعمادة، وفي الليل يعمل سائقاً ويتطوع للعمل أيضاً في الحفلات التي تقيمها الجمعية الخيرية التابعة للكنيسة.

فقد تحولت أرصفة الشوارع وسط مدينة حلب إلى أسواق لبيع القمصان والأحذية والسلع البلاستيكية التي يبيعها من لم يجد عملاً.

وهذا ما دفعهم للقول: “لدينا ما يكفي من السوريين” أي من الأجدر ألا يعود اللاجئون إلى سوريا، حتى بعدما تقلص تعداد سكانها من 24 مليوناً قبل الحرب إلى 18 مليوناً.

من جانبه، يؤكد موسى الذي يعمل في مجال الاستيراد والتصدير على حاجة سوريا للعمال من أجل إعادة إعمار البيوت والاقتصاد، إلا أن سوريا لا يمكنها أن تبدأ بتلك المرحلة قبل رفع العقوبات عنها، وهذا ما دفعه لتكرار العبارة التي تحولت إلى شعار وطني وهي: “أصبح الوضع الآن أسوأ مما كان عليه في ظل الحرب”، والتي بدأنا نسمعها منذ عام 2019

يرفض السوريون أن يسمحوا للضائقة بسحقهم، ولهذا لا يحرمون أنفسهم من الاستمتاع بملذات الحياة، إذ في حلب، تعج المطاعم للوجبات السريعة بالناس من الظهر حتى منتصف الليل، وأغلب الرواد من الشباب الذين بوسعهم دفع ثمن شطائر الفلافل والبرغر، أما في مطعم آخر، فإن زبائنه من الطبقة الوسطى لم يعد بوسعهم تحمل كلفة وجباته، ولهذا صاروا يمضون الليالي وهم يعبون الماء وينفثون دخان نراجيلهم.

فقد دخل عروسان من الطبعة الوسطى الثرية على إيقاع الطبول والرقص فندق ذي النجوم الأربعة، بعدما تأبط كل منهما ذراع الآخر ليصلا إلى قاعة الرقص حيث أقيم لهما احتفال مهيب.

فعند الساعة السابعة صباحاً في مدينة دمشق القديمة، يحتشد عمال يرتدون ثياباً سميكة أمام الكشك الوحيد الذي فتح أبوابه ليقدم لهم القهوة قبل ذهابهم إلى عملهم، في حين يمر صبيان بدراجاتهم الهوائية التي حملوا عليها صناديق وأكياساً بداخلها سلع رخيصة حتى يوصلوها إلى المحال القريبة من ساحة باب توما.

وتبقى دمشق حاضرة الماضي والحاضر والتي أنهكتها جرائم الطغاة على مر العصور ،صامدة ثابتة بوجه الظلم وجبروت الأنظمة القمعية التي عاثت في أهلها قتلا وتنكيلا ،فمنذ القديم سيطرت عليها عواصف الإجرام ،وحتى في عصرنا الحاضر عندما سيطر عليها آل الأسد، فهي لاتزال تئن مما فعلوا بها وبأهلها لكن صبرها لن يطول وسوف يأتي يوم وتنتفض على ظلامها ،وتعود كما عهدناها أرض الحب والياسمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.