الذاكرة السياسية

الذاكرة السياسية

كيف قتل حافظ الأسد أربعون ألف من معارضيه في حماه
كانت مدينة حماة على وجهِ الخصوص «معقلًا للتيار المحافظ وللإخوان المسلمين» ولطالما كان النظام السوري «يشكّ» فيها باعتبارها معقلًا لمعارضي حزب البعث.وقع أول صدام واسع النطاق بين الاثنين بعد فترة وجيزة من انقلاب عام 1963 والذي حصل فيهِ حزب البعث على السلطة في سوريا لأول مرة. بحلول نيسان/أبريل من عام 1964؛ اندلعت مضاهرات في حماة حيث قام «المتمردون» من الإخوان وغيرهم بإقامة حواجز على الطرق وتخزين المواد الغذائية والأسلحة وتكسير محلات النبيذ مما تسبّبَ في اشتباكات قُتل فيها أحد أفراد ميليشيا حزب البعث فاشتدّ الصدام بعدما هاجمَ «المتمردون» بقايا حزب البعث في المدينة. هذا الأخير أحضرَ الدبابات لسحق التمرد؛ فقتلَ حوالي 70 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين كما أُصيب كثيرون بجروح أو أسروا فيما اختفوا آخرين دون أن يُعثر عليهم.
لقد تمّ تعبئة الجيش؛ حيث وافقَ الرئيس حافظ الأسد على إرسالِ سرايا الدفاع التي كان يقودها شقيقهُ ووحدات النخبة في الجيش بالإضافةِ إلى وكلاء من شعبة الاستخبارات العسكريّة. قبل الهجوم بقليل؛ دعت الحكومة السورية «الجماعات المتمردة» داخل المدينة إلى الاستسلام وحذرت من أن أي شخص باقٍ في المدينة سيُعتبر «متمردًا». بدأَ الهجوم فعليًا؛ حيثُ حاصر حواليّ 12,000 جنديًا مدينة حماة لمدة ثلاثة أسابيع. قضت القوات النظامية الأسبوع الأول في محاولة «استعادة السيطرة على المدينة» فيمَا قضت الأسبوعين الأخيرين في «ملاحقة المتمردين».

وفقًا لمنظمة العفو الدولية؛ فإن الجيش السوري قد قصفَ وسط المدينة بالطائرات الحربيّة لتسهيل دخول المشاة والدبابات عبر الشوارع الضيقة. تقولُ المنظمة الحقوقيّة أن القوات الحكوميّة قد هدّمت معظم المباني في طريقها خلال الأيام الأربعة الأولى من القتال بل إنّها دمرت أجزاءً كبيرةً من المدينة القديمة فيما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى استخدام قوات الحكومة لسيانيد الهيدروجين. لقد طوّقت القوات التابعة لرفعت المدينة بالمدفعية وقصفتها؛ ثم قامت بتمشيط الأنقاض بحثًا عن أعضاء ومؤيدي الإخوان المسلمين الباقين على قيدِ الحياة. قِيل حينها إن «المتمردين» كانوا لا يزالون مختبئين في الأنفاق تحت المدينة القديمة؛ ما دفعَ بالجيش السوري إلى ضخ وقود الديزل عليهم فيما تمركزت الدبابات عند مخارج المدينة لقصف «المتشددين الفارين».
تشير التقارير التي نشرتها الصحافة الأجنبية عن تلك المجزرة إلى أن الحكومة السورية منحت القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب المعارضة وتأديب المتعاطفين معها. ولتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية فرضت السلطات تعتيمًا على الأخبار، وقطعت طرق المواصلات التي كانت تؤدّي إلى المدينة، ولم تسمح لأحد بالخروج منها، وخلال تلك الفترة كانت حماة عُرضةً لعملية عسكرية واسعة النطاق شاركت فيها قوات من الجيش والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع والاستخبارات العسكرية ووحدات من المخابرات العامة. وقاد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد الشقيق الأصغر للرئيس السوري حافظ والذي عُيّن قبل المجزرة بشهرين مسؤولاً عن الحكم العرفي في مناطق وسط سوريا وشمالها ووضعت تحت إمرته قوة تضم 12 ألف عسكري مدربين تدريبًا خاصًا على حرب المدن.
قالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان إن عدد القتلى قد تراوحَ بين 30,000 و40,000؛ غالبيتهم العظمى من المدنيين وقضى معظمهم رمياً بالرصاص بشكل جماعي ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية.
كما ذكرت
وفقًا لتوماس فريدمان فإنّ رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ قد تباهى بأنه قتل 38,000 في حماة.
دامت المجزرة 27 يومًا بدءًا من 2 شباط/فبراير 1982؛ وكان النظام السوري قد قام بحشدِ كل من:

سرايا الدفاع
اللواء 47/دبابات
اللواء 21/ميكانيك
الفوج 21/إنزال جوّي (قوات خاصّة)
بعد انتفاضة حماة؛ نجحَ النظام السوري في كسرِ «التمرد الإسلامي» ومنذ ذلك الحين عملت جماعة الإخوان المسلمين في المنفى بينما استسلمت فصائل أخرى أو انسحبت نهائيًا من المشهد. تشدّدت مواقف الحكومة في سوريا بشكل كبير خلال الانتفاضة؛ وكان حافظ الأسد يعتمد بشكل أكبر على القمع أكثر منه على التكتيكات السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.