سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
يبقى الاختلاس عقبة أمام التنمية الاقتصادية وتنمية رأس المال البشري وتحقيق حياة كريمة. كما أنه يجعل المساعدة الخارجية الكبيرة المقدمة أو أي توفير دعم مالي دولي شبه عديم الجدوى، وفي أسوأ الأحوال، هدف رئيسي للتحويل إلى مصادر أخرى.
فلم تتضح أسباب زيادة قيمة الأموال العامة المفقودة بنسبة 400 بالمئة عام 2022 في سوريا من المعلومات المقدمة. ومع ذلك، قد يكون ذلك بحسب الباحثين في سياسات النمو الاقتصادي، بسبب الافتقار إلى تدابير فعالة لمكافحة الفساد وضعف الرقابة والعقاب غير المناسب لمن تثبت إدانتهم بالاختلاس، وتذكر التقارير الصادرة عن النظام السوري على وجه التحديد سبب الزيادة الكبيرة في قيمة الأموال المختلسة. ومع ذلك، يمكن أن تشمل بعض الأسباب المحتملة الفساد وغياب المساءلة داخل مؤسسات النظام، لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى زيادة قيمة الأموال العامة المفقودة، وما الآثار المترتبة على هذه الزيادة في الأموال العامة المفقودة على الاقتصاد والمواطنين في سوريا، ما مدى تأثير هذه الزيادة في الأموال العامة المفقودة على ثقة المواطنين في الحكومة ومؤسسات النظام.
فالتقرير أكد ارتفاع قيمة الأموال العامة المختلسة في مؤسسات النظام السوري إلى 409 بالمئة العام الماضي. وكشفت البيانات عن زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات المالية السابقة. ففي عام 2021، سجلت محكمة الجنايات الاقتصادية والمالية بدمشق، 360 دعوى اختلاس احتيال بالمليارات في المؤسسات الحكومية.
فالتقرير الصادر عن الجهاز المركزي للرقابة المالية مؤخرا، كشف عن ازدياد قضايا الفساد المالي في الوزارات والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والإداري. حيث بلغت نسبة المبالغ المكتشَفة في قضايا الفساد والمطلوب استردادها أكثر من 104 مليارات ليرة سورية ما يعادل 13.7 مليون دولار أميركي، استرد منها سبعة مليارات ليرة سورية فقط.
فمدينة اللاذقية جاءت في المقدمة من إجمالي المبالغ المكتشفة في قضايا الفساد الاقتصادي، وبلغت 2.7 مليار ليرة سورية، فيما طالت تحقيقات قضايا الفساد المالي القطاع العام الاقتصادي والإداري أيضا، وبلغ عدد الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي الخاضعة لرقابة الجهاز المركزي، خلال عام 2022، 1013 جهة عامة، منها 243 جهة رئيسة، مثل المؤسسات والشركات والمنشآت
ومقارنة مع حجم الأموال المكتشفة والمطلوب استردادها خلال عامي 2020 و2021، ارتفع حجم الأموال بشكل كبير في عام 2022 بجميع القطاعات. في حين لا تزال منظمة الشفافية الدولية تصنف سوريا في المرتبة 178 من أصل 180 دولة، ضمن مؤشر مدركات الفساد لعام 2022.
نتيجة للأزمة الاقتصادية والصعوبات المالية التي يواجهها العديد من السوريين، والتي قد تدفع الأفراد إلى اللجوء إلى الاختلاس من أجل البقاء.
تداعيات هذه الزيادة في الأموال العامة المفقودة على الاقتصاد والمواطنين في سوريا كبيرة . فقد يعاني الاقتصاد بسبب فقدان الأموال التي كان من الممكن استخدامها لتمويل المشاريع الهامة، مثل البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم. وهذا بدوره قد يؤدي إلى تدهور مستوى معيشة المواطن العادي في سوريا، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل.
ويمكن أن تؤدي زيادة الأموال العامة المفقودة إلى تآكل ثقة المواطنين في الحكومة ومؤسسات الدولة. إذا يعتقد الأفراد أن حكومة النظام السوري غير قادرة على إدارة الأموال العامة بشكل فعّال ومنع الفساد، فقد يكونون أقل ثقة بها ودعم سياساتها.
وفي ضوء هذه الزيادة الكبيرة في الأموال العامة المفقودة فذلك مؤشر مقلق على استمرار عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد. كما يمكن اعتباره دليلا على فشل جهود حكومة النظام السوري لمكافحة الفساد وضمان الشفافية المالية.
فإجمالي المبالغ التي اكتشفها مفتشو الجهاز خلال تنفيذ خطة العمل التشغيلية السنوية في وزارات الدولة، بلغ 88 مليار ليرة سورية، استُرد منها مليار ليرة سورية فقط.
وعدد تقارير التفتيش المنجزة خلال عام 2022 وصلت إلى 213 تقريرا، اعتمد على 163 تقريرا منها، و50 تقريرا عولجت من دون إصدار كتب اعتماد.
وقضايا التحقيق للجهاز المركزي للرقابة توزعت على 20 وزارة، جاءت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المقدمة، بأكبر مبلغ مكتشف في 21 قضية فساد، بلغ 42 مليار ليرة سورية، تلتها وزارة النفط والثروة المعدنية بثماني قضايا فساد، بمبلغ تجاوز 32 مليار ليرة سورية.
فيما تصدّرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة قضايا الفساد من حيث العدد، إذ بلغ 23 قضية، بأكثر من 284 مليون ليرة سورية من الأموال المطلوب استردادها.
ربما تكون الإجراءات التشريعية الهادفة إلى منع اختلاس الأموال العامة والحد من هذه الزيادة قد باءت بالفشل بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية أو الفساد داخل الهيئات التشريعية نفسها. كما يمكن أن يكون راجعا إلى الافتقار إلى آليات إنفاذ فعّالة لضمان تنفيذ هذه التدابير.