أحداث الجنوب السوري منذ اشتعال شرارة الثورة السورية 

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

كانت شرارة الثورة السورية قد انطلقت من احتجاجات شعبية عفوية سلمية في المناطق السورية التي عانت من التهميش عام 2011 حيث تطالب المحتجون بالحرية والكرامة والانعتاق، ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية، لكنها سرعان ما عمت معظم الأراضي السورية. وقمع النظام السوري  بالسلاح المظاهرات السلمية فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوءاً في مختلف بقاع العالم، مما حول سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

وتحظى درعا برمزية كبيرة لدى ملايين الثوار من السوريين.

وبعد أكثر من 11 عاما مر على أولى شرارا الثورة السورية في محافظة درعا، ومنذ ذلك الوقت في الثامن عشر من آذار 2011 وحتى الآن تغيّر كل شيء في تلك البقعة الجغرافية الواقعة في أقصى الجنوب السوري.

وقتل وتهجر الآلاف واختفى مثلهم بينما تجددت السيطرة الخاصة بقوات النظام السوري وحلفائه .

ولكن على الرغم من هذا التغيّر الكبير الذي حل بدرعا التي تحظى برمزية كبيرة لدى ملايين السوريين، إلا أن هناك شيء وحيد بقي على حاله ولم يتبدل، وهو حاجز الخوف الذي ذهب ولم يعد.

ويرى بعض مؤيدي النظام السوري أن الأمور تسير في مصلحتهم، وأن علامات الانتصار وانتهاء ما يسمونه بالأزمة بدأت تلوح في الأفق، من خلال استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، وريفي حمص الشمالي، وحماة الجنوبي، ليؤكد النظام أن المعركة الحاسمة ستكون في الجنوب السوري من ناحية، إلا أنه يخدعهم بأنه المنتصر من ناحية أخرى.

لكن الحقيقة التي لا يراها المؤيدون، أو يحاولون تجاوزها، هي أن بشار الأسد لم يعد موجودا في الحسابات الإقليمية والدولية منذ زمن، ولم يتنبهوا إلى أن المفاوضات التي تمت في الغوطة الشرقية، والتي كانت تبعد عن قصر الشعب بضع كيلومترات فقط، لم يكن فيها للأسد أي دور فيها، سوى تقديم القرابين من الضباط والمجندين التابعين له، كذلك الأمر في مفاوضات ريف حمص الشمالي، وريف حماة الجنوبي، إذ لم يكن له أي دور فيها.

فمفاوضات الجنوب السوري مع الأسد الذي هو بعيد كل البعد عنها، وممنوع عليه الاقتراب إلا لتقديم مزيد من القرابين التي نراها منذ بدء العمليات العسكرية على الجنوب السوري، حيث اكتظت بالجثث مشافي مدن حماة وحمص وطرطوس، وما أدراكم بما حدث في محافظة طرطوس .وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الذين قتلوا من طرطوس في هذه الحرب تجاوز مئة ألف قضوا دفاعا عن الأسد، وخضعت مناطق جنوب سورية ، لتسويق هذه الأطراف على استبعاد الوجود عبر الحدود الأردنية ، مسافة 85 كيلومتر.

فإرهاصات ما حصل عام 2018 والاتفاق المخفي الذي نسجته روسيا مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والأردن ما زال يتردد صداه حتى الآن والصفقة التي حصد ثمارها الجميع كان رابحها الأول كلاً من النظام وإيران وحزب الله, وكانت على حساب حرية الشعب السوري, وعلى حساب حاضنة مدينة درعا ومحيطها التي كانت مهد الثورة السورية، وبموجبها خرجت درعا من خرائط الثورة تحت عنوان اتفاق المصالحة،بعد أن تخلى الجميع عن أهل درعا وثوارها، وبعد أن استخدم الروس والنظام الأسد وإيران كل ما امتلكوه من أدوات قتل ودمار من صواريخ وطائرات ومدفعية ودبابات ،شردت مئات آلاف المدنيين نحو الحدود الأردنية التي أُغلقت حتى بوجه الجرحى والمصابين, مما شكل عامل ضغط إضافي دفع بدرعا الثورة للقبول بتلك الاتفاقيات المذلة مع الحفاظ على بعض الخصوصية المتمثلة بعدم دخول ميليشيات النظام لداخل البلدات والقرى، والاكتفاء بحواجز خارجية تخضع لسيطرة النظام.

أما في السويداء فقد تأخرت عن الركب لكنها لم تكن بعيدة عن الثورة تلك المدينة ذات الأغلبية الدرزية الواقعة جنوب شرقي سوريا. فعندما اقتحم المتظاهرون مبنى محافظة السويداء، وأشعلوا النار في بعض أركانه، ومزقوا صورة ضخمة لبشار الأسد كانت معلقة على الواجهة الأمامية للمبنى. ومع وصول قوات النظام الأمنية إلى مكان الحادث، جرى تطويق سياراتهم، وأضرمت النيران في عدد منها. وأحضر المتظاهرون مزيداً من صور الأسد إلى الشارع ومزقوها وداسوا عليها بالأقدام، بينما جرى إغلاق طريق دمشق – السويداء السريع. وسرعان ما اشتعل إطلاق نار، أعقبته حالة من الفوضى، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 18 آخرين.

وبعدها سادت حالة من الهدوء شابها بعض التوتر. أما اليوم الدموي، فكان بمثابة تذكير بمدى ضعف قبضة نظام الأسد على السلطة. وفي حين أن 10 سنوات من الإرهاب أعادت كثيراً من أرجاء سوريا إلى حالة الخوف التي سادت فيها قبل الثورة السلمية عام 2011، غسعي النظام دونما هوادة للبقاء، دفع البلاد نحو حفرة عميقة يبدو من غير المحتمل أن تنجو منها في أي وقت قريب.

كانت الاحتجاجات في السويداء قد اندلعت بسبب مجموعة من الشكاوى، تتنوع ما بين الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي والمياه، إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، علاوة على تفشي الفساد وارتفاع معدلات الجرائم.

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري أقرت بالأنباء الواردة من السويداء، فإنها ألقت اللوم في العنف على عناصر مسلحة خارجة عن القانون، من دون الإشارة إلى أي أسباب مشروعة للاحتجاج.

ومن خلال كل ماحدث في الجنوب السوري وغيره من مناطق تظهر هذه الأحداث أن هذا النظام الجاثم على صدور السوريين ،لم يكن يوما يبحث عن مصلحة الشعب السوري،  بل على العكس اصبح وجوده هو أكبر معضلة تواجه السوريين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.