منوع – مروان مجيد الشيخ عيسى
كثيرا مانسمع في أحاديث الكثير من الناس وخصوصا ممن يبحث عن الغنى السريع وممن أمضى عمره في البحث عن كنوز الأرض عن الزئبق الأحمر فالزئبق الأحمر واحدة من أكثر المواد إثارة للجدل، اسمه من أكثر المصطلحات التي يعود الناس إليها بالبحث والتدقيق لمعرفة حقيقتها؛ فتارةً ترتبط بالأسلحة النووية وأخرى تجدها في السير والأحاديث الشعبية بين المصريين تحديداً، وحتى على منصات الأخبار العالمية الغربية.
المادة المثيرة للجدل لها تاريخ قديم يعود لتفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، وفي وقت من الأوقات تسببت في حمى التنقيب عنها في رفات المومياوات المصرية، وخاصة في مطلع الألفينات، وإذا كنت تتساءل مثل الكثيرين حول ماهية الزئبق الأحمر، إذا ما كانت بالفعل حقيقية أم لا، فهنا سنتعرف على بداياتها وحقيقتها.
وأجاب أكثر من مصدر بالفعل على هذا السؤال بأنه لا توجد مادة حقيقية اسمها الزئبق الأحمر، وهي أسطورة بدأت في الاتحاد السوفييتي قديماً، كما أجاب المتحدث الرسمي باسم وكالة الطاقة الذرية في حديثه مع صحيفة الغارديان البريطانية عام 2004، واصفاً الأمر بأنه كله “عبث” غير حقيقي في علوم الذرة والطاقة النووية؛ فكيف بدأت الأسطورة؟
وبدأت أسطورة الزئبق الأحمر عام 1991 معلومة استخباراتية حصل عليها جهاز مخابرات تشيكوسلوفاكيا (إحدى الدول المتأثرة بسيطرة الاتحاد السوفييتي) بأن هناك عملية سرية لنقل 60 كيلوغراماً من مادة غامضة قالت المعلومة إنها تسمَّى “الزئبق الأحمر” إلى جهات غير معلومة خارج الاتحاد السوفييتي، وكانت محفوظة في حاوية أسمنتية مبطنة بمادة عازلة للإشعاع النووي
وسرعان ما التقط الخبر إحدى جرائد ذات الانتشار المحدود آنذاك ونشرت تحقيقاً مفبركاً بناءً على المعلومة، أوردت فيه بشكل عابر أن الحكومة السوفييتية عازمة على تلبية طلبات الزئبق الأحمر لدول أجنبية راغبة في التسلح النووي، وأوردت الصحيفة في تحقيقها أن شركة الصناعات والأبحاث الكيميائية “ألكور” Alkor هي التي وراء هذا المُركب الذي “سيقلب موازين الطاقة”.
ومن الطريف بحسب موقع راديو أوروبا الحرة، أن أحد المتعاونين عن قرب مع هذه الشركة التي ارتبط اسمها بالزئبق الأحمر كان هو ضابط الاستخبارات السوفييتية السابق ورئيس روسيا الحالي: “فلاديمير بوتين” نفسه.
كما ذكرت الصحيفة الروسية في تحقيقها أن سعر الكيلوغرام الواحد من الزئبق الأحمر يتراوح سعره من 200 إلى 400 ألف دولار.
ونتيجة لهذه الواقعة انتشرت بعدها أخبار الزئبق الأحمر في أرجاء جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنهار، وبدأت تحريات واسعة تنتشر حولها، خاصة أن العديد من جنرالات الاتحاد السوفييتي شرعوا في التربح من وراء صفقات سرية لبيع الترسانة النووية السوفييتية، بجواد المواد الثمينة والاستراتيجية من الذهب والبلاتينيوم واليورانيوم، وهو ما أوحى للجميع في العالم بأن الزئبق الأحمر من بين هذه المواد التي يتاجر فيها جنرالات الاتحاد.
ووصل الغموض حول مادة الزئبق الأحمر إلى أقصى درجاته في منتصف التسعينيات، إلى أن عبَرت أخبار الزئبق الأحمر المحيط إلى عدو السوفييت اللدود: أمريكا.
وبالفعل تحرّت الاستخبارات الأمريكية حول المادة المثيرة للجدل، وبدأوا في تحذير عملائهم من أن السوفييت يحاولون الاحتيال على الحالمين بالقوة النووية وأسرارها في العالم.
في مطلع الألفينات، وفي قرى الصعيد وبطريقة ما نبتت أسطورة الزئبق الأحمر من العدم، ولا يعرف أحد حتى اليوم كيف بدأت ومن بدأها؛ كل ما انتشر آنذاك أن هناك مادة تسمى الزئبق الأحمر استخدمها المصريون القدماء في التحنيط، ولها قدرات خارقة مثل تسخير الجان، وأنها باستطاعتها أن “تتجه” وحدها كالمغناطيس أو البوصلة إلى أماكن الكنوز الذهبية.
وتطورت الشائعة إلى أن هذه المادة تتواجد داخل مومياوات ملكية بعينها في شكل حاوية مضغوطة صغيرة بحجم أمبولة الدواء وسميت شعبياً بين الباحثين عن الآثار باسم “البلحة”؛ نظراً لتشابهها مع التمرة الطازجة الحمراء، وأن سعر الغرام الواحد منها يصل إلى آلاف، بل ملايين الدولارات أحياناً.
وسرعان ما أشعلت هذه الشائعة أطماع الباحثين عن المال والربح السريع، وبدأ التنقيب غير الشرعي عن الآثار يتصاعد بسرعة كبيرة بغية الوصول لهذا المادة.
وبخلاف هذا بدأ الكثيرون في استغلال جهل البعض الآخر وأطماعهم، والاحتيال على الراغبين في الحصول على الزئبق الأحمر عن طريق تزييف أمبولات زجاجية مليئة ببرادة الأحجار الممغنطة والصبغة الحمراء، وبيعها على أنها المادة المنشودة، محاولين استغلال جهل البعض الخواص المغناطيسية للمعادن وكل من يبحث عنه إنما يبحث عن خيال مجهول.