كان الدكتور عزمي بشارة في كتابه المهم عن الطائفة والذي صدرت ترجمته إلى الإنكليزية قبل أيام ربما أول من ربط بين مفهوم الطائفية السياسية التي تولد في منطقة المشرق العربي الحديث، ومفهوم العصبية كما طوره ابن خلدون في مقدمته النظرية والتي فتحت المجال للتفكير في العوامل الاجتماعية المؤسسة للترابط ضمن المجتمعات.بعد ذلك، خصص بشارة فصلا كاملا من كتابه ذاك للحديث عن كيفية تطور مفهوم الطائفية وممارسته من قبل النظام السوري وحصرا من قبل عائلة الأسد، برأيي اليوم أنه بعد مرور عشر سنوات على الثورة السورية وحجم الجرائم التي ارتكبت وملايين اللاجئين والنازحين والمهجرين كلها أرقام تظهر مدى عنف هذه العصبية وخطورتها لا سيما أنها أطلقت عنانها حتى النهاية من دون أي رادع أخلاقي أو قانوني أو وطني.ما أحاوله ههنا هو تطبيق مفهوم هذا العصبية العلوية في ضوء النظرية الاجتماعية للصراع أو النزاع، فنظرية PSC كما تسمى اختصاراً تركز على دور الهوية المجتمعية في داخل الدولة، ويعتبر عالم الاجتماع عازار ورفاقه كان من أوئل من كان لديهم اهتمام كبير بالصراعات في المجتمعات متعددة الطوائف في فترة ما بعد الاستعمار، فبدأ عازار في جمع بيانات الأحداث لأطروحة الدكتوراه الخاصة به في الستينيات في إطار بنك بيانات الصراع والسلام (COPDAB). تم الإبلاغ عن هذه الأحداث التي غطت الفترة بين 1948 و 1978 في 135 دولة قومية وتم الحصول عليها من 70 مصدرًا إخباريًا.كشف المشروع أن 95 في المئة من 641 صراعًا رئيسيًا بين عامي 1945 و 1975 تمت الإشارة إليها في العالم الثالث أن هذه النزاعات كانت عرقية وكان يُنظر إلى هذا التركيز على أنه انفصال عن النهج الواقعي للسلطة السياسية.يجب تقييم نظرية إدوارد عازار في ضوء تطورات الصراع لفهم مصادر النزاعات المسلحة الرئيسية ومن أجل معرفة ملاءمة وأهمية نظريته لسياسات ما بعد الحرب الباردة ، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أولاً تحول صراعات القرن العشرين في أثناء الحرب الباردة، لم تكن الحرب الكبرى بين الدول ممكنة بسبب ظهور الأسلحة النووية والمنافسة العسكرية بين الكتل السوفيتية والغربية. لذلك كانت الأنماط السائدة للنزاعات المسلحة حروب الاستقلال الوطني في الخمسينيات وما بعدها.تم وصف الحروب الطائفية بأنها “عميقة الجذور” و”مستعصية على الحل” و”طويلة الأمد”في الستينيات، أصبحت الحروب الأهلية ما بعد الاستعمار متكررة في السبعينيات والثمانينيات بالإضافة إلى تطور الحرب الحديثة، وظهور مبادئ السيادة الشعبية وتقرير المصير الوطني، فحروب أواخر القرن العشرين “لم تكن تتعلق بالسياسة الخارجية والأمن أو المكانة؛ كانوا حول الدولة والحكم ودور ووضع الأمم والمجتمعات داخل الدول”.تم وصف الحروب الطائفية بأنها “عميقة الجذور” و”مستعصية على الحل” و”طويلة الأمد”.إذا ما أسقطنا نظرية إدوارد إلياس عازار للصراع الاجتماعي (PSC) كإطار لتحليل الصراع. وفقًا لهذا المفهوم، فإن السؤال حول أزمة الشرعية التي نشأت عن أسباب اجتماعية واقتصادية وطائفية مما دفع بالبلاد إلى حرب أهلية.في البداية فشل نظام بشار الأسد في تلبية مطالب المتظاهرين السوريين في المرحلة الأولى من الربيع العربي وهو ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية في سوريا. على الرغم من أن الصراع لم يؤد إلى تغيير النظام كما هو الحال في مصر أو ليبيا، إلا أنه وعلى المدى الطويل فقد قوضت مدة الحرب الآمال في كسر الجمود لصالح أي من الجانبين.إلى جانب الحرب الأهلية التي عانى فيها الجيش والمعارضة، تحولت القضية السورية إلى أزمة دولية شارك فيها العديد من الفاعلين الإقليميين والعالميين مما حول الصراع الدائر إلى حرب بالوكالة بين هؤلاء الفاعلين.ترتبط الأزمة ارتباطًا وثيقًا بالبنية الاجتماعية والثقافية والسياسية لسوريا. في هذا السياق فإن البعد الطائفي للسياسة السورية بشكل عام والحرب الأهلية بشكل خاص تكشف عمق وأهمية الاهتمام بالديناميات العرقية والدينية للأزمة الحالية.العصبية العلوية في النهاية هي التي حققت شرط تماسك النظام ومنعت تفككه بالرغم من الأزمات الشديدة التي لحقت بهفي النهاية يمكن القول وفقا لإمرهان كيا أنه على الرغم من أن الحرب الأهلية السورية هي حالة ظاهرة الوجاهة للصراع الطائفي، إلا أنها تتطلب تحليلا متعدد الأبعاد منذ الصراع وتطوره إلى حرب بالوكالة. من الواضح أن الدعم العسكري والمالي للدول الأجنبية لكل من الحكومة والمعارضة أطال عمر الحرب الأهلية في سوريا وعقّدها. ومع ذلك فإن تحليل الأسباب الجذرية للصراع يجب أن يذكر أنه بدأ كانتفاضة ضد القمع والصعوبات الاقتصادية. فالنقطة المحورية في هذه النظرية أن العلويين كأقلية وموقعهم في التركيبة السياسية السورية، وأن درجة تضامن العلويين مع النظام عامل حاسم في تفسير هذه النظرية، فالعصبية العلوية في النهاية هي التي حققت شرط تماسك النظام ومنعت تفككه بالرغم من الأزمات الشديدة التي لحقت به، وضمان الولاء داخل هذه الطائفة للأسد بالرغم مما مر به يفسر كيف حافظ الجيش والأمن على اليد الطولى في الحرب رغم كل الانشقاقات الأفقية التي جرت داخل هذين القطاعين.