يبقى لأيام وليالي شهر”رمضان” طعم وطقوس خاصة تميزه عن باقي أيام السنة، حيث تعم فيه الألفة والتواد وتصفى فيه النفوس والقلوب، وكباقي المحافظات يحضر أبناء “دير الزور” العدة لاستقبال هذا الشهر الكريم، كل حسب طريقته وإمكانياته المادية، إلا أن هناك تقاليد تبقى من أساسيات هذا الشهر يحرص الجميع على تطبيقها.
تلتقي العائلة بكاملها في أول يوم منه على مائدة الإفطار في بيت “الجد” أو ما هو معروف بيت “الأهل”، فيجلس الجميع دون استثناء الصغير منهم والكبير على هذه المائدة العامرة بأنواع الأطعمة والتي لا تخلو منها موائد الأغنياء والفقراء على حد سواء من (السلطات والكبب بأنواعها والشوربات مع الطبق الرئيسي والذي جرت العادة أن يكون في اليوم الأول نوع من أنواع الطعام الأبيض (كالشاكرية او الشيشبرك………) كنوع من التفاؤل وبداية هذا الشهر بهذا اللون الذي يجلب الخير والرزق، اضافة إلى خبز التنور الطازج والحلويات الرمضانية.
كما لا تخلو موائد هذا الشهر من المشاريب الرمضانية كالسوس والتمر الهندي وقمر الدين، والتي شهدت هي الأخرى تطورا ملحوظا، بحيث لم يعد يقتصر إعداده على عائلات معينه، كما كان سابقا محصورا بأيدي عائلات مختصة تقوم بتحضيره وبيعه في الأسواق كعائلة “السواس” المختصة ببيع السوس، وعائلة “السبسبي” المختصة بالتمر الهندي، بحيث راحت هذه الأيام بالانتشار عند العديد من الذين راحوا يمتهنونها في هذا الشهر ويقومون ببيعها في الأسواق على البسطات المنتشرة في الأماكن الأكثر ازدحاما، ولعل ما يلفت النظر إقدام نسبة كبيرة من المواطنين على الشراء من البسطات التي تبيع المواد الاستهلاكية بأسعار اقل من المحال.
وتعتبر ظاهرة “المسحراتي” في أغلب أحياء المدينة، ظاهرة قديمة حديثة، حيث كانت سابقا تقتصر على شخص واحد من أهالي “دير الزور” المعروف “بالعجمي” في حي “الجبيلة”، حيث كان يقوم بهذا الدور كفاعل خير، أما (المسحراتية) في هذه الأيام فهم وافدون من “حلب” و”دمشق”، ويقومون بهذا الدور طوال الشهر الفضيل، وفي نهايته يمرون على البيوت ليأخذوا العيدية ويعودون إلى بلدهم.
كما يعتبر انتشار بسطات بيع عدة التسقية والفتة والفول من العادات الدخيلة على محافظة “دير الزور”، والتي تعتبر من الوجبات “الشامية” و”الحلبية” التي دخلت الموائد الرمضانية “الديرية”، كما تعتبر ظاهرة تزين واجهات الأبنية وشرفات المنازل بالإنارة التي تأخذ شكل النجوم والهلال من العادات الحديثة في “دير الزور”، كما يكثر في هذا الشهر الإقبال على شراء الصمون بحيث يزداد بيع المحال من هذا المادة بنحو عشرة أضعاف من بيعه في الأيام العادية.
فالأسواق تشهد حركة وإقبالا من المواطنين في شهر رمضان يفوق سواه من أشهر السنة، حيث تنتشر البسطات عند المفارق والدوارات وعند أماكن التجمعات والتي تتضمن كافة الأنواع من مستلزمات المائدة في رمضان، ومن الأمور التي تسجل للمحافظة في هذه الشهر الفضيل توقف كافة المطاعم الشعبية فلافل، فول المنتشرة في كافة الأحياء والشوارع عن البيع قبل الإفطار خوفا واحتسابا من الوقوع في الإثم والفواحش، بحيث يقتصر نشاطها خلال النهار على بيع الحلويات الرمضانية من القطايف والمشبك واللوزينج الجاهزة منها والنيئة، ثم يعود مساء بيع الأطعمة الأساسية حتى فترة السحر، كما تشهد أيضا المقاهي في “دير الزور” والتي هي كثيرة إغلاقا تاما قبل الإفطار لقناعة أصحابها الابتعاد عن هذا العمل تقربا إلى “الله”، كما يستغل أكثر أصحاب المهن والمحال التي يخف الإقبال عليها في هذا الشهر أجرى أعمال الصيانة والترميم استعدادا لاستقبال العيد بحلة جديدة.
أما عن ريف دير الزور فالأمور تختلف حيث يكثر ذبح الغنم والدعوات على الإفطار طيلة شهر رمضان المبارك ويتنافس الجميع على جمع الناس في مضافته بعد تجهيز ولائم كبيرة يتجمع بها على المحبة والإخاء ،فقد يمر على صاحب البيت يوم أو يومين يفطر فيها ببيته بسبب كثرة الدعوات للإفطار ،تقدم خلال الدعوة التمر واللبن أو الماء وبعدها يصلى المغرب جماعة ثم تقدم مناسف اللحم والكبسات زالثريد إما بخبز التنور أو خبز الصاج .وبعد الانتهاء من الطعام يكمل البعض جلزسا يتسامرون حتى آذان العشاء لصلاة التراويح .وخلال هذه الأجواء تحل الكثير من الخلافات ،وإن لم تحل تؤجل إلى يوم العيد .