ولد ابو نواس في أهواز العراق وبعد وفاة والده رحلوا إلى البصرة وكان عمره ست سنوات وبعدما آلت الخلافة للعباسيين انتقل من البصرة إلى الكوفة وأخذ يتردد على أصحاب الفصاحة والأدب والشعر وينهل من علوم القرآن والحديث واخذ الفصاحة من علماء بادية بني أسد حيث أقام سنة كاملة عندما توفي والده تلقّفه شيخ من شيوخ اللغة والأدب والشعر، هو خلف الأحمر[3]، فأخذ عنه كثيراً من علمهِ وأدبه، وكان له منه زاد ثقافي كبير حتى أنه لم يسمح له بقول الشعر حتى يحفظ جملة صالحة من أشعار العرب ويقال: إن أبا نواس كلما أعلن عن حفظه لما كلفه به، كان خلف يطلب إليه نسيانها، وفي هذا لون رفيع من ألوان التعليم، حتى لا يقع هذا الشاعر الناشئ في ربقة من سبقه من الشعراء المتقدمين وقد روي عن أبي نواس قوله: “ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى الأخيلية فما ظنكم بالرجال؟”
وما كاد أبو نواس يبلغ الثلاثين، حتى ملك ناصية اللغة والأدب، وأطل على العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث، ومعرفة بأحكام القرآن، وبصر بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وما أن تم لابن هاني هذا القدر من المعرفة حتى طمح ببصره إلى بغداد، عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء. ولكن نظرة سريعة في ديوانه تجد غلبة الخمر عليه، للحد الذي جعله يفضلها على كل شيء.
يقول في الخمر :
الشُربُ في ظُلَّـةِ خَمّـارِ عِندي مِنَ اللَذّاتِ يا جاري
لا سِيَّما عِنـدَ يَهودِيَّـةٍ حَوراءَ مِثلَ القَمَرِ الساري
تَسقيكَ مِن كَفٍّ لَها رَطبَةٍ كَأَنَّهـا فِلقَـةُ جُـمّارِ
حَتّى إِذا السُكرُ تَمَشّى بِها صارَ لَها صَولَـةُ جَبّارِ
ولم يقتصر طلبه العلم على الشعراء والأدب بل كان يدرس الفقه والحديث والتفسير حتى قال فيه ابن المعتز في كتابه ’طبقات الشعراء‘ : “كان أبو نواس ٍ عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه.”ومن اشعاره في مدح الأمين :
ولولا الأمين بن الرشيد لما انقضت رحى الدين، والدنيا تدور على حزن ِ
لقد فك أغـلال العناة محمـدٌ وأنزل أهل الخـوف في كنف الأمن ِ
وفي البصرة شغف أبو نواسٍ بجاريةٍ تدعى ’جَنان‘ وغناها بشعرٍ كثيرٍ يعبر عن عمق شعوره نحوها. وقد قصد أبو نواسٍ بغداد وامتدح هارون الرشيد ونال مكانةً مرموقةً لديه، ولكنه ـ أي هارون الرشيد ـ كان كثيراً ما يحبسه عقاباً له على ما يورد في شعره من المباذل والمجون. وقد أطال الرشيد حبسه حتى عفا عنه بشفاعةٍ من البرامكة الذين كان أبو نواسٍ قد اتصل بهم ومدحهم. ولعل صلته الوثيقة بهم هي التي دفعته إلى الفرار حين نكبهم الرشيد .
إعداد : مروان الشيخ عيسى