هل تسعى تركيا لتتريك مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرتها

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى 

القصة بدأت عندما أطلقت تركيا عملية عسكرية أسمتها “درع الفرات” بالاشتراك مع فصائل سورية مسلحة في المناطق التي كانت وقتها خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة “د ا ع ش”، لتستولي في العام الذي يليه على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، الممتد بين جرابلس في الشرق واعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب.

وقتئذ كان هدف تركيا العلني محاربة التنظيم، غير أن الممارسات التي تبعِت ذلك كشفت أهداف أنقرة الاستراتيجية الأهم، والتي صبّت كل تركيزها على منع قوات سوريا الديمقراطية، من ترسيخ مشروع حماية مناطقها المتمثلة بالشمال الشرقي السوري، ومنعها من التوسع في المناطق الواقعة غربي نهر الفرات.

وبعد ذلك بعام واحد، في كانون الثاني من 2018 تحديدا، عادت تركيا لتُطلق عملية عسكرية جديدة في المنطقة، بمشاركة فصائل مسلحة موالية لها، وكانت هذه المرة تهدف إلى السيطرة على منطقة عفرين ، التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، منذ بداية الثورة السورية، ومنذ ذلك الحين، تحدثت عدة منظمات حقوقية عالمية ووسائل إعلام عن محاولات تتريك هذا الجزء من سوريا.

ويجري الحديث عن عدم إدخار تركيا جهدا لتكريس الأمر الواقع من خلال تبني سياسات تتريك ممنهجة، الأمر الذي تم تفسيره على أنه يعكس النوايا التركية في قضم تلك المناطق بشكل دائم، حيث عمدت أنقرة إلى تغيير السجل المدني للسكان الأصليين في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها، وسحبت البطاقة الشخصية والعائلية السورية من القاطنين في تلك المناطق و استعاضت عنها بأخرى تركية.

كذلك باشرت أنقرة بإجراءات اقتصادية وتجارية وإدارية مكثفة بهدف التداول بالعملة التركية بدلاً من العملة السورية، فيما سعت أيضا إلى تغيير المناهج المدرسية والجامعية وفرض اللغة التركية في كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها وشيدت فروعا عدة لجامعاتها في إدلب.

عمدت القوات التركية لرفع العلم التركي وصور الرئيس التركي أردوغان فوق المدارس والمستشفيات، وكافة المراكز والمؤسسات والساحات بهدف إحداث تغييرات ديموغرافية جذرية هائلة لطمس الهوية لتلك المناطق واتخامها بنازحين سوريين، قادمين من المناطق السورية المنكوبة الأخرى، وفقا لمراكز حقوقية.

فهدف تركيا من سياسة التتريك المتّبعة في مناطق شمال سوريا والشمال الشرقي الحدودية معها، هو تهيئة مدن ومناطق تحت الوصاية التركية للاستفادة منها في إعادة اللاجئين السوريين وإبعادهم عن تركيا.

فتركيا في الوقت الحالي تعيش حالة من الضغط، وتمر بوضع اقتصاد سيء للغاية، مقابل أزمة لاجئين تضغط على المجتمع التركي وتزاحمه في فرص العمل، لذلك فالشعار الانتخابي المنافس لأردوغان اليوم هو إعادة اللاجئين، الأمر الذي يسعى أردوغان لانتهازه قبل منافسه، لكن كيف يمكنه أعادتهم وأغلبهم ينتمون أو موالون، فباتت تمثل المجال الحيوي لأردوغان للتسويق في العالم العربي، الذي ينظر إليه بديلا عن “الاتحاد الأوروبي” الذي رفض انضمامه إليه.

يريد الرئيس التركي تأمين شريط حدود بعمق 30-40 كيلومترا لاستيعاب هؤلاء اللاجئين، الأمر الذي سيمثل له حاجزا بين تركيا و سوريا، ما يعني قطع ارتباط سوريا لأن هذا الفاصل في حال نجاح إنشائه سيكون فاصلا طبيعيا ستنشغل بمشاكله مستقبلا في سوريا، ويضع تركيا في مأمن عن الصراع معهم.

أردوغان يرى الوقت الحالي مناسبا لتنفيذ مخططه هذا، من خلال الاستفادة من حلفه مع روسيا التي تخوض صراعا مع أميركا. القضية التي يمكن أن تخدمه في كسب الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، خصوصا على اعتبار أن “قسد” تُعدّ حليفة لواشنطن، وأن النظام السوري يسعى لاستعاد السيطرة على آبار النفط في منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها “قسد”، وهو ما دفع النظام  للتعامل مع مطالب أردوغان والاستفادة بأكبر قدر ممكن من هذا الوضع.

وفقا لهذا السيناريو، فإن المشهد في غاية التعقيد ولا يمكن حلّه من دون طاولة حوار دولية، وتحسم الأمر، لأنه من غير المنطقي وجود جيب في محافظة إدلب وحلب ترعاه تركيا، وجيب آخر في شرق الفرات، ومقابل النظام السوري في دمشق، لذلك يجب أن تكون طاولة حوار سورية وبرعاية أممية تضع حدا لهذا الصراع مع ضمان حقوق جميع المكونات السورية، وبخلاف ذلك قد يكون من الصعب وفق المشهد الحالي مواجهة التهديدات التركية من خلال جيوبٍ صغيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.