منذ القديم ومع التزايد السكاني لمدينة دير الزور اتضحت ملامح مدينة دير الزور وشخصيتها وصارت قادرة على تفريخ الفتوات والقبضايات ونظام الحواري الذي يشابه إلى حد بعيد كما صار لها مزاجها الخاص ورأيها الثقافي والفكري في مجمل الحياة السورية العامة الذي سيمتد ليلقي بظلاله ومؤثراته حتى أيامنا هذه
فدير الزور صنيعة رجالات مختلفي المشارب والأمزجة والاهتمامات والسويات الاجتماعية والثقافية فمحمد العايش ومحمد الفراتي وجلال السيد وتوفيق قنبر وثابت عزاوي وعبد القادر عياش وغيرهم رغم أياديهم البيضاء الكثيرة على هذه المدينة لم يكونوا وحدهم واضعو لبنات المزاج الديري العام أو مهندسو وعيه وميوله كما أن العائلات الديرية العريقة هي أيضا ليست الوحيدة التي صاغت تقاليد وشخصية هذه المدينة على العكس فسوف نجد لاحقاً انزياحات داخل هؤلاء جميعاً مثقفين وعائلات اتجاه ما سيفرضه الآخرون الذين كانوا يهندسون الوجه الآخر للمدينة إذ سيكون للقبضايات شأنهم الكبير وستأخذ شخصياتهم أبعاداً مؤثرة للغاية مثل علي الكبة وضرار الحويقة والشهيد قيصر هنداوي أبو الأجرب وأبو طلاس وغيرهم كما ستتردد أسماؤهم وحكاياتهم في الشارع الديري بما يشبه الأساطير فكسار بطل رواية جمر النكايات هو من طينة هذه الشخصيات وهو يتطابق كثيراً مع حميد شلاش أحد فتوات حارة الكجلان كما ستكون لشخصيات أخرى دورها في الحياة العامة خاصة الاقتصادية مثل حج رزوق الذي قطع أرزاق المستثمرين الحلبية والشوام في المدينة وشخصيات أخرى مثل عموري وكلاب وآخرين وهؤلاء كانوا نجوم العصر الذهبي للسينما ومقاولاتها الخلفية وشيئاً فشيئاً ستنمو ذهنية هؤلاء في الأحياء كما ستنمو معها رائحة خاصة للمكان حيث ستعبق منه باستمرار حكايات مختلفة أبطالها رجال هامشيون يصنعون للأحياء أمجادها وأحاسيسها الشعبية ويفرضون على المحيط حضورهم محصنين بمفاهيم عتيقة وثقيلة عن الغيرة والشرف والكرامة ومن بين هؤلاء المهمشين سيظهر البطل الذي سيستثمر بإحساسه الشعبي المرهف حدثاً سياسياً بالغ الأهمية كانتخابات النظام لما يسمى مجلس الشعب ليديره بطريقة الحواري وبذهنية القبضاي مفرغاً فيه تمرده وانفلاته على القوانين العامة وخادشاً بطريقة حادة البروتكول السياسي الذي يغلف عادة مثل هذه المناسبات وهذه الشخصيات اتفقنا معها أو اخلفنا فقد استطاعت أن تجذب حولها الكثير من الشباب الحالم إلى تحقيق العدالة باسلوب يختلف عما جرت عليه العادة فالعدل يحتاج إلى العضلات وقوة القلب والشهامة وبعد النظر.