نشرت روسيا خلال ستة أعوام ونصف، 63 ألف جندي في سوريا لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن أساليب وأهداف الجيش الروسي تطورت إلى درجة جعلت سوريا حقل تدريبات واسعة النطاق لعمليات هذا الجيش العسكرية.
وفي سياق التضامن مع الأوكرانيين في الأيام الأخيرة، سُمع صوت من بعيد: صوت المدنيين السوريين، والذين هم أنفسهم ضحايا الجيش الروسي، حيث يرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنه أمر محزن للغاية معرفة “أن الأسلحة التي تم اختبارها على السوريين ستستخدم الآن ضد المدنيين الأوكرانيين”.
ومن المؤكد أن السياقات الجيوسياسية وأهداف موسكو مختلفة تماما بين أوكرانيا وسوريا، لكن روسيا استخدمت الأخيرة كمسرح تدريب واسع النطاق لجيشها. ففي نهاية أيلول/سبتمبر 2015، عندما استجابت موسكو لطلب رئيس النظام بشار الأسد للمساعدة العسكرية، كان هذا أول تدخل عسكري لروسيا خارج حدود الاتحاد السوفيتي السابق منذ الحرب في أفغانستان، وكان من المفترض أن تستمر العملية بضعة أشهر فقط. بحسب ما أفاد به تقرير لصحيفة “لاكروا” الفرنسية.
والخطاب الذي يستخدمه “الكرملين” اليوم في أوكرانيا يتمثل باستعراض بوتين الحاجة إلى “تحالف عالمي حقيقي ضد الإرهاب، على غرار التحالف المناهض لهتلر”.
ويرى زياد ماجد، الخبير السياسي والمتخصص في الأزمات في الشرق الأوسط، بأن “ما حدث في سوريا يُظهر إرادة روسيا للعودة إلى الساحة الدولية، التي تتجاوز حدود روسيا، من خلال نشر القوة النارية واختبار الأسلحة وإظهار قدرتها على تصعيد العمليات على نطاق واسع”.
وبالنسبة للرئيس الروسي، فإن الأمر يتعلق بإرسال رسالة إلى الناتو حول قدراته العسكرية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، بفضل قاعدتيه في سوريا في مطار حميميم وميناء طرطوس.
وتحلل آنا بورشيفسكايا، الباحثة في معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، في مقال حديث، ذلك قائلة: “في سوريا، ليس كمثل أي مكان آخر، اتخذت موسكو موقفا ضد ما تعتبره سنوات من الأحادية الأميركية”.
وبعد التدخلات في جورجيا عام 2008 وشبه جزيرة القرم عام 2014، قدمت روسيا لجيشها ساحة تدريب ثالثة لتحسين قدرات قواته. وبالإضافة إلى رجال الميليشيات الخاصة مثل “فاغنر”، ويقول الجيش الروسي إنه نشر 63 ألف جندي منذ عام 2015 مع هيمنة القوات الجوية.
وتتابع بورشيفسكايا موضحة: “لقد تناوب عشرات الآلاف من الجنود الروس في أنحاء سوريا على مر السنين وتلقوا تدريبات وخبرات قيمة، مما سيعزز أداء الجيش الروسي على مستوى العالم”. ووفقا لـ “معهد دراسة الحرب” في واشنطن، فإن التدخل في سوريا قد غيّر بالفعل عقيدة موسكو العسكرية وخطتها للدفاع الوطني للفترة 2021-2025.
ومع التعزيز الكبير للقصف المميت والدمار الهائل، تختبر روسيا أيضا أسلحتها ومعداتها، فقد تم اختبار ما لا يقل عن 320 سلاحا روسيا في سوريا، كما تفاخر وزير الدفاع سيرغي شويغو في تموز/يوليو الماضي. من بين هذه الأسلحة كان هناك الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ أرض جو، ومعدات الرؤية الليلية، وطائرات سوخوي “سو57” المقاتلة.
لقد كانت سوريا بمثابة معرض تجاري لصناعة الأسلحة الروسية، التي شهدت زيادة في مبيعاتها، خاصة مع تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية. وهنا مرة أخرى، لم تكن موسكو تخفي لعبتها! ففي بداية عام 2019، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الروسية، فاليري جيراسيموف، أن دروس سوريا ستُستخدم للدفاع عن “المصالح الوطنية” الروسية وتعزيزها خارج الحدود الروسية.
ومع تسليط الضوء على هذا “النجاح الاستراتيجي بتكلفة منخفضة”، على حد تعبير بورشيفسكايا، يتمتع بوتين بالإفلات التام من العقاب في سوريا. “لم يُعاقب بوتين على هذا التدخل، وهذا الإفلات من العقاب يجعل من السهل عليه شن حروب جديدة دون خوف من العواقب. وبعد كل الفظائع التي مرت دون عقاب في سوريا، يبدو أن بعض القوى الفاعلة مثل روسيا تعتقد أن كل شيء على ما يرام.
إعداد: أسامة
تحرير: حلا مشوح