سوريا ما قبل حزب البعث

كانت فترة ازدهار سوريا قصيرة مابعد الإستقلال في التاريخ السوري المعاصرفإنها كانت حاسمة في صياغة الهوية السياسية السورية لعقود مقبلة خاصة أنها مثلت مرحلة انتقالية من الانتداب الفرنسي الذي استمر لمدة ربع قرن من الزمان إلى الحكم الاستبدادي المتمثل بانفراد حزب البعث بالسلطة لنحو نصف قرن

كانت سوريا في تلك الفترة العصيبة على مفترق طرق بين بناء الدولة العصرية وتعزيز مؤسسات الحكم الجمهوري من جهة وتأسيس سلطة الاستبداد من جهة ثانية ففي تلك الفترة نشطت الحياة الحزبية متمثلة في ظهور الحزب الوطني وحزب الشعب والحزب القومي السوري والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والإخوان المسلمين وعدد كبير من المستقلين الذين تنافسوا في عدة انتخابات نيابية ورئاسية.

لكن ضعف التجربة الحزبية والنيابية للأحزاب السورية حديثة التشكل أفرزت ظاهرة تقلب الولاءات السياسية بين أعضاء البرلمان وتذبذب السياسة السورية بين اليمين واليسار ولا وجود عنصر توازن للنظام الجمهوري فيما انتشرت ظاهرة الارتباط بالعسكر والتغلغل في صفوف الجيش السوري كطريق أقصر للوصول إلى سدة الحكم فقد كان الشعور السائد عند أغلب السياسيين بأن مفاتيح السلطة بيد المؤسسة العسكرية ما دفع بالعديد من السياسيين لزج الجيش في براثن المعارك الانتخابية وتشجيع الفكر الانقلابي وكان لزعماء حزب البعث والحزب القومي السوري الدور الأكبر في هذا الرهان العبثي.

و إن المؤسسة العسكرية عمدت إلى تضييع تلك الفرصة وأغرقت البلاد في فوضى الانقلابات العسكرية ضد الحكم المدني بحيث شهد عام ١٩٤٩ ثلاثة انقلابات قام بها رؤساء الأركان وهم حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي تبعتها حركات انقلابية أخرى في عامي ١٩٥١ وو١٩٥٤ ومحاولات انقلابية فاشلة في ١٩٥٦ وو١٩٥٧ فضلًا عن انقلاب الانفصال ١٩٦١ والمحاولات الانقلابية والعصيان العسكري التي شهدها عام ١٩٦٢ وانتهاءً بانقلاب البعث ١٩٦٣

فلقد أدت هذه الانقلابات إلى إغراق سوريا في دوامة من المؤامرات التي كانت تحركها أطراف محلية وخارجية وبحلول منتصف الخمسينيات أصبح واضحا للعيان أن المؤسسة العسكرية فقدت السيطرة على نفسها وأن الكيان الجمهوري أصبح غير قابل للاستمرار ولم يبق للقيادة العسكرية خيار آخر إلا الهروب نحو الأمام والدفع بصورة حثيثة نحو إعلان الوحدة مع مصر ١٩٥٨

أما على الصعيد العسكري فإن هزائم عامي ١٩٤٨ وو١٩٦٧ أثرت تأثيرا سلبيا أنفقت سوريا أكثر من نصف إيراداتها منذ الاستقلال على الجيش ولكن المردود لم يكن متناسبا مع حجم الإنفاق حيث أخذت الجبهة الجنوبية الشرقية للكيان الجمهوري تتقلص بصورة تدريجية منذ حرب ١٩٤٨ حتى فقدنا الجولان بالكامل بينما انشغلت فرق الجيش في دمشق باحتلال رئاسة الأركان ومبنى الإذاعة وصياغة البيان رقم ١ الذي كان بذرة لدمار سوريا والسيطرة عليها لتنتهي حياة الديمقراطية و الصحافة الحرة وكانت بداية الطريق لانقلاب آخر قاده حافظ أسد ومجموعته ويحول سوريا إلى مزرعة له ولأقاربه.

 

إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.