سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
مع لقاء موسكو الثلاثي بين وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري ، بدأ الخوف الحقيقي يتسرب إلى نفوس معظم السوريين في تركيا وفي الشمال السوري، حيث مناطق الجيش الوطني المدعوم تركياً وإدلب، الخوف من أن يكونوا ضحية لهذه المصالحة ويتم تسليمهم لبشار الأسد الذي اعتقل وقتل ونكّل بكل من عارضه وثار على جرائمه وحكمه الجائر.
ورغم مشروعية هذا الخوف الإنساني، غير أنه من الخطأ أن يغطي على التفكير الواعي بعيداً عن العاطفة، فقد تكون الحقيقة معكوسة تماماً والخوف مجرد وهم يغذيه تدفق المعلومات المتناقضة والكثيرة واختلاط المعلومة بالشائعة والدعاية التي يكون خطرها في الحرب كما يعرف الخبراء والمختصون أكبر من تأثير العدو نفسه في أرض الميدان.
وتماشياً مع مبدأ رياضي يمكن وضع فرضية جدلية معكوسة وبرهنة صحتها بعيداً عن العاطفة الجمعية للسوريين ثورة ومعارضة التي فرضت فوراً أن ما يجري من تقارب بين الحكومة التركية والنظام السوري يصب في مصلحة تأهيل الأخير وسيعود وبالاً على السوريين المتحالفين مع تركيا إذا صح التعبير.
وتقول الفرضية :”إن المصالحة والتطبيع التي تذهب إليه الحكومة التركية والنظام بضغط روسي كما يعرف الجميع ستكون فخاً ومصيدة تغرق بشار الأسد في أزمات أكثر بدلاً من إنقاذه، ولن تضر الثورة.
فكلام أوغلو ووجهة نظره لا تقتصر عليه كباحث مستقل أو على من يبررون لحكومة أردوغان هذا التوجه، بل توافقه شخصيات تركية معارضة أيضا، منها خالد خوجا أحد مؤسسي حزب المستتقبل التركي المعارض بقيادة رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو.
فقد قال: “إن بشار الأسد في وزن أقل من يحقق طموح الرئيس أردوغان ويزيح تهديد قوات سوريا الديمقراطية”.
ورغم أنّ خوجا يخالف وجهة النظر القائلة بأن التقارب مع الأسد هي مناورة وتكتيك من قبل الحكومة وإنما إستراتيجية، لكنه يؤيد جوهر ما ذهبت إليه الفرضية وهي أن بوتين المأزوم يريد أن يحقق قصة نجاح في سوريا دون تحقيق انتقال سياسي حقيقي.
ومنذ أشهر يحاول أردوغان شنّ عملية عسكرية في الشمال السوري بالمشاركة مع “الجيش الوطني المدعوم من تركيا ، أشار إليها مراراً في تصريحاته، غير أنه اصطدم ولا يزال بجدار أمريكي صلب.
أما عن طلب تركيا الآخر الذي ينقسم إلى شقين، الأول يتعلق بعودة اللاجئين الآمنة والطوعية، إلى بلادهم والثاني هو تحقيق مصالحة بين بشار الأسد والفصائل المعارضة التي تعد على الأرض بحوالي 100 ألف مقاتل، فإنه شبه مستحيل لأن مقاتلي المعارضة ليسوا في جيش نظامي، فحتى وإن وافق القادة المعروفين بمواقفهم المتخاذلة وبفسادهم، فإنهم لن يستطيعوا فرض ذلك، إلا على جزء يسير من المنتفعين.
وليس هذا فحسب فهناك 3 ملايين سوري في الشمال السوري عبّروا بشكل واضح عن رفضهم للمصالحة مع الأسد عبر مظاهرات غضب متواصلة، وتحت شعار “لن نصالح”
وحول هذه النقطة علق آخر سفير لتركيا بدمشق وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر أونهون بالقول “إن أهم أولويات أزمة تركيا اليوم هو العودة الآمنة للاجئين إلى سوريا، وهذا ما يشكل المعضلة الأبرز في مواجهة التطبيع مع الأسد. لا توجد ظروف مواتية بعد، والأسد لا يعطي أي ضمانات أمنية حقيقية للعائدين، فهناك 70 ألف مسلح في الشمال وكل هؤلاء سيواجهون مستقبلاً غير مضمون”.
وفي اليوم نفسه، خرج وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ليؤكد ويتعهد إذا صح التعبير أنه لا يمكن أن نفعل أي شيء ضد إخواننا السوريين الذين يعيشون في تركيا وسوريا و لن نضعهم في مأزق.
طالما أن تركيا لا تستطيع أن تقدم شيء لبشار الأسد، والأخير لا يمكن أن يقدم لها شيء فلماذا هذا التقارب إذا و ما هي المصلحة؟
سواء كانت روسيا ترغب بالتقارب بين بشار الأسد والحكومة التركية والرئيس أردوغان، للأسباب التي ذكرتها المقالة أو لغير ذلك، المؤكد أن روسيا هي من دفعت نحو هذا الأمر بدءاً من تصريح مبعوث بوتين إلى سوريا، ميخائيل بوغدانوف في منتصف العام المنصرم مرورا بإعلانها عن اللقاءات الاستخباراتية بين البلدين برعايتها وصولاً إلى اللقاء الثلاثي الأربعاء الماضي.
وهنا يؤكد أكثر من باحث وسياسي تركيا أن الرغبة الروسية هذه تلاقت مع ما تشتهيه رياح الرئيس التركي، رغم إداركه بعدم جدواه لأنه استطاع من خلاله سحب ورقة اللاجئين وورقة النظام السوري من المعارضة التركية، قبيل مخاض الانتخابات الصعب.