سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
منذ انطلاقة الثورة السورية، كنا ندعو من تزعموا المشهد الثوري، أن لايربطوا مصلحة الشعب السوري ونجاح ثورة الحرية بدول لها أطماع بالأرض السورية، لكن إعلام الدول الطامعة بسوريا وأرضها، كان يطبل كل لجماعته، ويدعمها بالمال والإعلام مما أسهم في تمزيق الثوار إلى جماعات تختلف عن الأخرى فكريا وعقائديا، فكانت فصائل درعا لايعنيها مايحدث بأهل الغوطة وفصائل الغوطة لايعنيها مايحل بأهل حمص وفصائل إدلب ولايعنيها ما يحدث بأهل حلب وهذا مزقت قيادات الفصائل وداعميها الشعب السوري، فأدخلوا أفكارا لم يعتد عليها الشعب السوري، فأصبح الصراع بين الإخوة هو صراع دفاعا عن مصالح الدول، فهذا يدافع عن تركيا وذاك عن قطر وأولئك عن السعودية، وذاك عن أحرار الشام وهذا جبهة نصرة وذاك (د ا ع ش ي) وذاك قسد ، لدرجة أنك قد تجد في البيت الواحد أخوة كل ينتمي لفصيل .
وبعد سنوات من النزاعات الطويلة والعقيمة، أخذت فصائل الثورة المسلّحة في سورية فجأة الانضواء تحت لواء منظمات كبيرة ذات إدارة مركزية، كتلك التي كانت بأمسّ الحاجة إليها لتهديد النظام السلطوي. لكن هذه الخطوات المتأخرة لم تنشد أهازيج النصر للثوار، بل مهّدت الطريق أمام إلحاق هزيمة نهائية بهم. فقد مالت كفة ميزان القوى في مناطق شمال سورية الخاضعة إلى سيطرة المعارضة، بشكلٍ حادّ لصالح عتاة التشدّد من الإسلاميين ولمجموعة جهادية مُستهدَفة دولياً، يُرجَّح أن يؤدّي نفوذها المتنامي إلى دفع الدول الغربية إلى أحضان الأسد بدلاً من إطاحة النظام.
المشهد مُترحٌ بالتعقيدات حتى بالمعايير السورية. فسقوط شرق حلب في قبضة النظام بعد أن كانت خاضعة إلى سيطرة الثوار ، دشّن أزمة في صفوف مجموعات المعارضة التي كانت تعاني أصلاً من تباينات سياسية وإيديولوجية في صفوفها، ومن علاقات متنافرة مع الأطراف الخارجية، ومن سيل من الاتهامات والاتهامات المضادّة بين أعضائها، بعد صولات وجولات من محادثات فشلت في رصّ الصفوف وتوحيد الأفرقاء. والنتيجة أن مجموعات المعارضة خسرت الحرب. وما كان من اتفاق وقف إطلاق النار الذي فرضته روسيا وتركيا وإيران في 30 كانون الأول إلا أن زاد الطين بلّة، إذ فاقم العلاقات المتردّية أصلاً، وحوّل المناطق السورية الواقعة في قبضة المعارضة إلى بركان من الاحتقان الداخلي، ناهيك عن أن محادثات السلام التي عُقدت في الأستانة في 23 و24 كانون الثاني، لم تستطع إعادة الاصطفاف إلى صفوف الثوار.
بدأ الصراع في 24 كانون الثاني/يناير، حين شنّت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وهي فصيل جهادي قوي مُصنَّف كمنظمة إرهابية، هجوماً على مجموعة مدعومة من الغرب شاركت في محادثات الأستانة. اعتبر الجهاديون هذا الهجوم بمثابة ضربة استباقية ضد قوى الثورة المضادّة المصطفّين صفّاً واحداً مع “المحتل الروسي”، وأشاروا بشكلٍ صائب إلى أن مؤتمر الأستانة رمى إلى عزل جبهة فتح الشام وتدميرها. لكن بعض الثوار الآخرين لم يشاطروهم الرأي، مُعتبرين أن جبهة فتح الشام شنّت هجومها ذاك للحؤول دون توطيد صفوف خصومها من القوى غير الجهادية. وفي ذلك الوقت قال محمد طلال بازرباشي، قائد حركة أحرار الشام، التي تُعدّ أيضاً من التنظيمات الإسلامية الكبيرة في المنطقة، والتي لم تشارك في محادثات الأستانة لكنها لم تعترض على مشاركة سائر الفصائل: “من الواضح أنهم شعروا أن اللحظة مؤاتية لذلك، لأننا كنا نتقدم بخطى حثيثة نحو الاندماج مع الجيش الحر والفصائل الثورية السورية. لا أعتقد أن مؤتمر الأستانة كان السبب، لكنهم تذرّعوا به لتبرير فعلتهم.
وكلنا شاهد استعراضات الفصائل العسكرية في الشمال والجنوب والغوطة، عندما يتدخل الداعمون ويوقفوا تحركات الفصائل، حتى تم ابتلاعهم واحدا واحدا، ليخرجوا بباصات خضراء حاملين أموال الثورة، ليفتتحوا شركات ومطاعم في بلدان اللجوء .ويترك الشعب السوري الثائر، يكابد الجوع والفقر والبرد والحرمان، في مخيمات ممزقة، وكانت الضربة القاضية لأحلام الشعب السوري هي اتفاق النظام السوري مع تركيا التي وافقت على تسليم الأراضي لقوات النظام السوري، وإعادة اللاجئين السوريين إلى سيطرة المجرم بشار الأسد.