سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
علبة من رذاذ الطلاء، ولثام لإخفاء الملامح، كل ما كان يحتاجه شباب وشابات سوريون لكتابة كلمة “حرية” أو “ارحل” في عتمة الليل على الجدران في بلدهم، تعبيراً عن الثورة منذ بداياتها عام 2011.
ورغم ما يبدو عليه الأمر من بساطة، إلا أن مهمة “الرجل البخاخ” السوري كانت تشمل مخاطرة هائلة، فالعديدون ألقي عليهم القبض لأنهم كتبوا عبارات مناهضة للنظام السوري، أو تلك التي تعبر عن تأييدهم للحرية.
ومن بين هؤلاء، الرجل البخاخ الدمشقي، خالد الخانجي، الذي اعتقل بسبب العبارات التي كتبها على جدران في حيه.
واليوم يعود نشاط الكثيرين من أمثال الرجل البخاخ.
فقد رصد ناشطون ، عبارات جدارية مناوئة للنظام السوري في دمشق وريفها، خطها مجهولون على جدران في حي الميدان الدمشقي ومدينة الكسوة والحجر الأسود، بعض العبارات تطالب بإسقاط النظام وأخرى تنتقد الغلاء والفساد في البلاد، في ظل الوضع المعيشي السيء وفقدان المحروقات وانعدام القدرة الشرائية للمواطنين.
وتشهد المنطقة استنفاراً أمنياً وحملة اعتقالات تطال مدنيين من معتقلين سابقين وكوادر طبية وعسكريين سابقين.
وتتصاعد أزمة المحروقات، يوما بعد آخر، وبلغ سعر الليتر من البنزين نحو 20 ألف ليرة سورية خارج الدعم الحكومي في ظل غياب الأخير، وبروز دور القطاع الخاص عبر شركة B.S التي تملكها شركة “القاطرجي”.
يتزامن ذلك، مع استمرار توريد المشتقات النفطية من إيران عبر البواخر، بالإضافة إلى المازوت القادم من غرب الفرات، والذي تفرض حواجز أمن الفرقة الرابعة إتاوات كبيرة على الشاحنات بحسب حجمها، مما يزيد تكلفة النقل وينعكس على سعره بالسوق.
ويعيش المواطنين في مناطق نفوذ النظام في ظروف قاسية، في ظل قلة فرص العمل وانخفاض مستوى الدخل، لاسيما العاملين في القطاع الحكومي، حيث لا تزال المرتبات الشهرية أقل من 150 ألف ليرة سورية، أي أنها لاتشتري 8 لتر بنزين.
وأشار ناشطون قبل أيام، أن سيارات النقل العام توقفت عن العمل لعدة أيام، نتيجة عدم توفر المحروقات، كما خفضت شركات النقل عدد الرحلات بنسبة كبيرة، لذات الأسباب، في حين ارتفعت الأجور بشكل لافت، عن الفترة الماضية.
وينتظر عشرات المواطنين عند المواقف والمحطات الرئيسية في دمشق والمدن الرئيسية ضمن مناطق نفوذ النظام، نتيجة عدم وجود مواصلات عامة، في حين يضطرون للتوجه إلى “التاكسي” بأجور مرتفعة جدا.
ولا يزال التيار الكهربائي مقطوعا عن كثير من المناطق في ريف دمشق، في حين طبق تقنين حاد في دمشق والمناطق المحيطة بها، ومع عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المولدات خلال فترة انقطاع الكهرباء، انخفض أداء شبكة الهاتف الأرضي وشبكة اللاسلكي والانترنت الأرضي، والأبراج التي تتغذى عبر الطاقة الشمسية خرجت عن الخدمة تقريبا تسبب الطقس الغائم.
وأغلقت المحلات التجارية والأسواق في معظم أحياء دمشق مع مغيب الشمس كل يوم، بسبب عدم توفر وقود لتشغيل المولدات أو شحن البطاريات.
كما أغلقت الأفران الخاصة “الخبز السياحي”، بعد أن خفضت إنتاجها تدريجيا، بسبب عدم وجود كميات كافية من المازوت لتشغيل الآليات.
كذلك، المطاعم اقتصر عملها على المشويات والطعام البارد بسبب عدم توفر المحروقات والغاز.
وينتظر المواطنين ساعات في طوابير طويلة من السيارات عند محطات الوقود، في حين تأتي الكميات لا تغطي نصف عدد المنتظرين.
وارتفعت الأسعار في الأسواق وخصوصا البضائع القادمة من المحافظات.
وبلغ سعر اسطوانة الغاز بوزن 21 كيلو جرام بـ115 ليرة سورية، ووزن28 كيلوجرام بـ 220 ألف ليرة سورية.
ولا يبدو أن النظام يلقي بالاً للتحذيرات الأممية من الكارثة الحالية وتفاقمها مستقبلاً، لا سيما أن المسارات السياسية متوقفة.
وأصبح انتظار الخبز والغاز والوقود في طوابير طويلة مشهداً يومياً مألوفاً، يعكس حالة المواطن السوري، حيث شهد اقتصاد العاصمة تحديداً خلال السنوات العشر الماضية تغيرات هيكلية نتيجة ظروف الحرب والإجراءات الأمنية.
وأظهرت أن غالبية العائلات تعتمد على عمل فرد أو أكثر منها لتأمين مدخولها الرئيسي، لكنَّ البيانات أظهرت أيضاً اعتماد نِسَب مرتفعة من السُّكان على الدعم القادم من الخارج، وعلى عمل المنظمات الإغاثية داخل البلاد.
ويعني ذلك عملياً عدم قدرة الاقتصاد المحلي على تلبية احتياجات السُّكان والحاجة الماسَّة لدى قسم كبير منهم إلى المساعدة المقدَّمة من طرف آخر، سواء كان سورياً يعيش خارج البلاد، أو منظمةً إغاثية تعمل على تقديم المساعدة داخل البلاد.