سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
جاء انقلاب 8 آذار 1963 في سوريا بعهد جديد على البلاد، حيث غيّر السمة العامة للدولة وأصبح حزب البعث من خلال هذا الانقلاب الحاكم الرسمي للبلاد، كان هذا اليوم الذي يسميه النظام السوري “ثورة آذار” من الأيام السوداوية على الشعب السوري في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والطائفية والثقافية، وبعد ذلك اليوم بدأ النظام البعثي بإحداث التغييرات التي أثرت سلبًا على معيشة الشعب.
كان من نتائج انقلاب 8 آذار البدء بسياسة التأميم لمختلف الشركات والصناعات، ومنها قطاع النفط، حيث بدأ البعث بتأميم أول شركات نفط في 22 كانون الأول عام 1964، وافتتح البعث التأميم بشركات إسو وشل وسوكوني فاكوم التي أصبح اسمها فيما بعد “موبيل”، ومع توالي الأيام مضى البعث في تأميم كل شركات النفط الموجود في سوريا والبالغ عددها 9.
ومضى 56 عامًا على تأميم شركات النفط في سوريا، ومنذ ذلك الحين أضحى النفط أحد القطاعات المغيبة عن أي وضوح أو معلومات أو بيانات، وكل ما يخرج هو تقديرات منظمات الطاقة العالمية، وفي حال صدرت معلومات من النظام السوري سيكون مشككًا بها، فالنفط لم يكن مدرجًا ضمن الموازنة العامة للبلاد، فكيف سارت رحلة النفط السوري منذ التأميم حتى اليوم.
فقد بدأ الإنتاج الرسمي للنفط في سوريا عام 1968، ومنذ ذلك الوقت لم تدخل قيمة النفط ضمن الخزينة العامة، وبحسب معلومات موقع “بريتش بتروليوم” للنفط فإن إنتاج البترول في سوريا بلغ 406 آلاف برميل في 2008، لينخفض حتى 385 ألف برميل في 2010، و353 ألف برميل في 2011، واستمرت بالانخفاض نتيجة للحرب المستمرة هناك وصولًا إلى 24 ألف برميل عام 2018.
في سوريا حقول نفطية مهمة، موزعة على مناطق متعددة غالبها في المنطقة الشرقية من البلاد، حيث تحتوي دير الزور على الحقل النفطي الأكبر وهو “حقل العمر”، ويأتي “حقل التنك” كثاني أكبر حقل ويقع في بادية الشعيطات دير الزور، بالإضافة إلى حقول الورد والتيم والجفرة وكونيكو، وفي الحسكة يوجد حقل رميلان ومصفاة الرميلان.
ويقدر الخبراء أن آبار النفط الموجودة في حقل الرميلان تبلغ 1322 بئرًا، أما في ريف حمص فيوجد “حقل الشاعر”، بالإضافة إلى مدينة تدمر التي تضم عدة مناطق نفطية أهمها جحار والمهر وجزل، من كل هذه الآبار لم يستطع السوريون في يوم من الأيام الاستفادة من خيراتها وثرواتها، عدا عن أنها لم تدخل في عملية التطوير والتنمية المفترض حدوثها.
ربما تعتبر خيرات سوريا النفطية لا تقارن بغيرها من الدول ذات الإنتاج الكبير، على الرغم من ذلك فإن الكميات الموجودة والاحتياطات المقدرة تكفي البلاد في حال تم إدخالها في ميزانية الدولة، لكن النظام السوري ومنذ تأميم شركات النفط وبدء الإنتاج عمل على أن تكون مالية النفط بمنأى عن الأنظار ولا تدخل في ميزانية الدولة إلا ما ندر، بل كانت تذهب إلى جيوب آل الأسد ومن حولهم، عدا عن ذلك فقد كان يُباع النفط السوري بعيدًا عن الأنظار في الأسواق غير الشرعية.
وتشير كل التقديرات أن متوسط الإنتاج النفطي قبل اندلاع الثورة السورية كان يقارب 385 ألف برميل يوميًا، إلا أن الدكتور سهيل الحمدان له رأي آخر وتحليل مختلف، حيث يقول: “النفط ينتج كميات كبيرة بالمنطقة الشرقية، لكن نظام الأسد ومنذ منتصف الثمانينيات كان يدخل جزءًا منه إلى الموازنة ويبيع الباقي لحسابه”، ويضيف الحمدان ”كان الإنتاج الحقيقي منذ منتصف الثمانينيات وحتى 2008 يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون برميل يوميًا يدخل رأس النظام ثلاثمئة ألف برميل إلى خزينة الدولة والباقي يسرقه”.
فتحليل الدكتور الحمدان يبدو للوهلة الأولى مبالغًا به، لكن مع النظر إلى شجرة الفساد التي تحيط بقطاع النفط في سوريا تصبح تلك النظرة قريبة للواقع، فحجم واردات النفط الحقيقية كانت دائمًا أمرًا مجهولًا أو مشكوكًا بدقته، بما في ذلك تلك المعلومة التي تم تداولها لسنوات ما بعد وفاة حافظ الأسد عن أن الإنتاج يبلغ 385 ألف برميل، وكان التصرف بهذا القطاع يرجع إلى عدّة أشخاص فقط.
فما قاله الحمدان يؤكده الكاتب السوري غازي دحمان الذي يقول إن ثمة معطيات تؤكد هذا الكلام وهي “عمليات التهريب الضخمة التي كانت تتم عبر دول الجوار، التي كان يشرف عليها متنفذون من آل الأسد وأقربائهم، وكان جزء كبير من النفط السوري يتم تهريبه إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، لكنها محمية من أجهزة أمنية سورية”.
ومن المعطيات التي ذكرها دحمان “ما أعلنته وزارة النفط السورية من أن خسائرها، منذ نهاية 2012 بلغت أكثر من 62 مليار دولار، ما يعني أن الصادرات النفطية كانت تبلغ نحو عشرة مليارات دولار سنويًا، وهو رقم أكبر بكثير من الأرقام التي كان يتم إعلانها.