سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
منذ البداية عندما شهد الإعلان عن تأسيس مجلس انتقالي للمعارضة السورية في أنقرة انتقادات واستياء في صفوف عدد من المعارضين السوريين ومنهم الذين لم يعينوا في المجلس أو الذين تم تعيينهم دون استشارتهم. وعبرت جهات من المعارضة السورية عن رفضها لهذا المجلس الذي رأى فيه البعض تكريسا للانقسام في صفوف المعارضة السورية.
ولازال الغموض يكتنف خلفية تأسيس هذا المجلس وحيثيات تعيين أعضائه، ويتسائل البعض عن سبب اختيار أنقرة للإعلان عن تأسيس المجلس. هذه الأسئلة كثيرا ما بحث أهل الثورة الحقيقيون عن إجابات صادقة فهم من تحمل أعباءها من قتل وتنكيل وتشرد وليس أولئك الذين لايزالون ينعمون في فنادق اسطنبول فهناك بون شاسع بينهم وبين معارضة المخيمات واللجوء والمعتقلات الذين ضحوا بالغالي والنفيس .
فقد فوجئ بهذا المجلس الإنتقالي الذي لم يعين فيه إلا أشخاص معينون، وهي نفس الوجوه لكن تتبدل المناصب في كل فترة معينة . معظم أعضاء هذا المجلس لم يعلموا بخبر تعيينهم ولم تتم استشارتهم في هذا الأمر. ولماذا في تركيا؟ فلماذا تناصر تركيا لونا واحدا من ألوان المعارضة السورية، وهل لديهم هدف ما من هذا الأمر؟ نحن لا نريد أن يتم دعم اتجاه واحد فقط في المعارضة وهذا ما يحدث فعلا منذ بداية الثورة. إننا نريد معارضة موحدة بكل أطيافها و أن يتم تشكيل مجلس لها داخل سوريا وليس في الخارج، وأن يتم تعيين أعضائه في الداخل أيضا وليس في الخارج.
فالشعب السوري لايعرف من وضع اللائحة ولا نعرف لماذا رقم 94 تحديدا. لماذا ليسوا ثمانين أو مائة عضو. لم نفهم ذلك ولا نعرف الآليات والمعاييرالتي تم على أساسها اختيار الأعضاء، والأغرب من ذلك أنه لم تتم استشارتهم بمن فيهم الدكتور برهان غليون الذي نكن له كل الإحترام، وهو الذي تم تعيينه رئيسا للمجلس كما صدر عن ضياء دغمش الذي أعلن بيان المجلس. فعدم استشارة غيلون نفسه يزيد الأمر غموضا، بينما المعارضة الحقيقية ليست بحاجة إلى مزيد من الغموض والشرذمة بين أطراف المعارضة. لكنها بحاجة إلى توحيد الصفوف وكل من يقوم بخطوة تزيد الانقسام و المعارضة بينها، فهو بالتأكيد لا يسدي خدمة إلى سوريا.
وأيضا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها، يحصل قادتها على رواتبهم من الحكومة التركية أو ربما من جهاز الاستخبارات.
هذا الائتلاف وبعض الأطر المشتقة منه كهيئة التفاوض وحصتها من اللجنة الدستورية يتبعون الأجندة التركية بصورة تامة، ليقتصر هامش استقلاليتهم على نشاط إعلامي شحيح يتصل بتفاصيل لا تهم الظهير التركي. وقد عرف السوريون، قبل أسابيع قليلة، أن ممثلي الخارجية والاستخبارات التركيين قد اجتمعا مع قادة الائتلاف ومشتقاته ليوبخوهم بسبب تصريحات استفزازية أدت إلى اندلاع مظاهرات في مناطق سيطرة الجيش التركي في الشمال، وطالبوهم بالتسويق التقارب التركي مع النظام السوري ، وأحاطوهم علماً بخفض رواتبهم الشهرية.
وفيما كانت التكهنات تدور في وسائل الإعلام حول مدى جدية أنقرة في التطبيع مع النظام السوري من عدمها، جاءت أخبار جديدة تفيد بحدوث سلسلة اجتماعات بين رئيسي جهازي المخابرات الرئيسيين، هاكان فيدان وعلي مملوك في دمشق.
هذا هو العنصر الجديد في اللقاءات الأمنية الجارية بين الجانبين منذ العام 2019، أي زيارة فيدان لدمشق. لنا أن نتوقع أن يتم اللقاء التالي في أنقرة أو إسطنبول، فالهدف من تحديد مكان اللقاء هو إحداث أثر نفسي ربما يكون أهم من فحوى المحادثات. فمواقف الطرفين المعلنة لا جديد فيها، النظام يطالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف دعم الفصائل المعارضة، في حين يركز الأتراك على محاربة قوات سوريا الديمقراطية ، وإعادة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، ويفاوضون على مصير المعارضة المعتدلة أي الفصائل المسلحة التابعة لتركيا.
هذه هي محاور المفاوضات كما تذكرها تسريبات صحافية، أما إذا كان هناك نقاط أخرى يتم التباحث بشأنها، فهذا ما لا يمكننا معرفته قبل أن يقرر المتفاوضون الإعلان عنها. وهناك تكهنات لا يمكن التأكد من مصداقيتها تتحدث عن طلبات محددة كالطلب التركي بشأن إلغاء القانون رقم 49 للعام 1980 الذي يجرم الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين ويحكم على أفراده بالإعدام. هذا تكهن معقول، على أي حال، بالنظر إلى حظوة الجماعة لدى القيادة التركية، كما أن تصورات الأخيرة بشأن حل سياسي في سوريا ما زالت تراوح عند النقطة التي كانت عليها في العام 2011 حين قيل إن أحد بنود مقترحات وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو هو إدخال عدد من وجوه جماعة الإخوان المسلمين في حكومة النظام، وهو ما رفضه النظام السوري رفضاً قاطعاً آنذاك، وربما ندم عليه لاحقاً بعدما امتدت الثورة المسلحة لتشمل معظم الأراضي السورية. أما الآن فالنظام سيرفض المقترح نفسه مجدداً لأن الظروف تغيرت كثيراً بعد التدخل الروسي في العام 2015.
وتثير قلق الائتلاف السوري المعارض الذي بدأ يلمس على رأسه وسط أنباء عن مطالبة النظام بترحيل أعضائه خارج الأراضي التركية، على غرار مطالبات نظام السيسي بترحيل المعارضين المصريين. نفى بعض أركان الائتلاف أن تكون السلطات التركية قد طالبتهم بذلك، ولكن من يدري متى تفعل إذا تطور مسار التطبيع بين انقرة والنظام السوري في الفترة القادمة؟
لذلك فإنه من الحصافة أن يفكر قادة الائتلاف بصورة جدية في مستقر بديل قد يضطرون إليه في الأشهر القادمة، هذا على فرض أنهم مهتمون أصلاً بالاستمرار في تمثيل الثورة والمعارضة في المستقبل.
رغم أن الكثير منهم وعوائلهم قد حصلوا على الجنسية التركية أو الألمانية أو السويدية ، ليكون الخاسر الحقيقي والذي صنع ثورة الكرامة والحرية بدماء أبنائه هم معارضوا المخيمات وليس معارضة الفنادق.