تحاول الولايات المتحدة التركيز في سياستها الأمنية الجديدة على حلفائها في الشرق الأوسط والدول الخليجية على وجه الخصوص في إيجاد توازن أمني جديد، في زمن التعددية القطبية ومع التهديد المتزايد للجماعات المسلحة.
حيث يعقد الأمل العالمي على عودة قطبية العالم لأن سياسة القطب الواحد أثبتت فشلها ولم تعط أية نتيجة.
أعادت الولايات المتحدة ضبط بوصلة استراتيجيتها في الشرق الأوسط ، وبدلا من السعي وراء أهداف عظمى لايمكن تحقيقها على المدى القريب ، يتركز اهتمام الولايات المتحدة الآن على التنسيق مع الشركاء الإقليميين لتنفيذ سياسات سليمة وعملية.
ولا يزال التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها الخليجيين ساريا، لكن التركيز ينصب الآن على تعزيز قدرة هؤلاء الحلفاء على الدفاع عن أنفسهم.
اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية عسكرية جديدة مبنية على القدرات التي يمكن نشرها بسرعة في أي مكان في العالم، وهذا أدى إلى خلق ضغوط على واشنطن لتقليص مشاركتها العسكرية في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لا يزال الخليج يحتل أهمية استراتيجية كبيرة بسبب البنية التحتية العسكرية الكبيرة التي بنتها واشنطن في المنطقة لضمان الأمن البحري، والتدفق الحر للنفط، والاستقرار الإقليمي، والتعاون في ملف مكافحة الإرهاب .
وعلى الرغم من الاعتراف والإعلان الأمريكي مرارا وتكرارا بوجود بديل عن النفط الخليجي ، إلا أن الموضوع يتجاوز هذا الأمر ومن الصعب جدا قطع العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج.
وعلى مدى العامين المنصرمين ، سعت دول المنطقة بشكل متزايد إلى تأمين مصالحها من خلال الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي بدلا من الصراع العسكري.
وحتى لو لم يؤد هذا النهج لتحقيق نجاحات، فقد فتح الطريق لعدد من جهود خفض التصعيد، التي كانت ضرورية للحد من التوترات وتجنب مخاطر تصاعد الصراع بسبب الحسابات الخاطئة.
وفي حين أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ضرورية لأمن المنطقة، إلا أنها لن تحل قضية العلاقات المعقدة بين طهران ودول الخليج العربية.
ولا يزال برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونقل التكنولوجيا إلى جهات فاعلة من غير الدول يشكل نقطة ضعف أمنية مروعة تكافح دول الخليج لمعالجتها.
ولمساعدة دول الخليج العربية على معالجة هذه المعضلة الاستراتيجية، يجب على الولايات المتحدة التعامل مع الأمن الإقليمي بمنظور شامل بدلا من مجرد التركيز على الملف النووي، كما يجب السعي لبناء تحالف متعدد الأطراف لمواجهة الدعم الإيراني للميليشيات المختلفة.
ويرتبط تهديد الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل الميليشيات المدعومة من إيران أو “تنظيم الدولة “، بفراغ السلطة وفشل الدول.
ويمكن تقليل هذا التهديد من خلال تعزيز قدرات الدول عبر مساعدتها على السيطرة الكاملة على فضائها السيادي والسماح لها بمتابعة سياسة خارجية متوازنة.
ويمكن لواشنطن أن تعمل بشكل أكثر فعالية مع شركائها الإقليميين، عبر المشاركة في الأنشطة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، لخلق بيئة أقل ملاءمة للاستراتيجيات التي تنتهجها إيران وحلفاؤها في أماكن مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان.
دول الخليج العربية تسير على نهج المقاربات المتباينة تجاه إيران، وتحاول إنشاء نظام دفاعي أكثر تماسكا، مثل مركز القيادة العسكرية الموحدة الجديد لمجلس التعاون الخليجي.
وأدت جهود دول الخليج العربية لزيادة قدرات الردع الخاصة بها والتقارب مع قوى عظمى أخرى إلى توترات مع واشنطن.
ويمكن أن يؤدي زيادة التعاون الاقتصادي إلى تحسين الاستقرار الإقليمي، وعلى الحكومات الخليجية العمل على سياسات تسهل هذا التكامل.
وتسير دول الخليج نحو الانتعاش الاقتصادي بعد الأزمة التي سببتها جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، فيما تواصل تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تأخرت كثيرا.
وبعد الأزمة الأوكرانية حاولت السعودية والإمارات الالتزام بسياسة عدم الانحياز لأي طرف في العملية العسكرية الروسية التي بدأت ضد أوكرانيا.
وتتجنب معظم الدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط اتخاذ مواقف قد تنعكس سلبا على اقتصاداتها، كما ارتبطت دول في المنطقة بعلاقات استراتيجية مع كل من الصين وروسيا.
ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، تواجه السعودية والإمارات ضغوطا أمريكية لزيادة إنتاج النفط وتصديره للحيلولة دون ارتفاعات جديدة متوقعة في أسعاره التي وصلت إلى أقل من 140 دولارا للبرميل الواحد.
وتتضح سياسة الضغط المتبادل بين الولايات المتحدة وكل من الإمارات والسعودية بعدم التزامهما بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على روسيا واستمرار التعاملات المالية مع المصارف الروسية.
تتباين العلاقات القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دفعت الرياض إلى تبني سياسات أكثر انفتاحا على موسكو في مجالات اقتصادية وعسكرية.
ويرى مراقبون أن السعودية تحاول استغلال الحرب في أوكرانيا لتوريد الأسلحة النوعية والمعدات التي تحتاجها الرياض في حربها باليمن، أو الكف عن توجيه الاتهامات بـ”انتهاك حقوق الإنسان” في المملكة، إضافة إلى إجراء اتصال أو عقد لقاء مباشر بين بايدن ومحمد بن سلمان.
وتبرر الإدارة الأمريكية عدم إجراء بايدن أي اتصال بابن سلمان، من منطلق أن الرئيس الأمريكي لا يحادث إلا نظراء له، أي أنه يمكن أن يجري اتصالات مع الملك سلمان، وليس ولي العهد.