الشاعر محمد الفراتي

هو الشاعر السوري محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود الملقب بالفراتي أحد الأصوات الشعرية التي لم ينصفه الشعر ولم تنصفه الحياة المليئة بالعطاء والمواقف الشجاعة وبقي شخصية مغمورة رغم الانجازات التي حققها عبر رحلة طويلة قطعها انطلاقا من مدينته دير الزور مرورا في حلب التي تلقى فيها التعليم إلى أن غادرها عام ١٩١١ إلى بيروت ومنها إلى القاهرة.
حيث التحق بالأزهر فدرس فيه من ١٩١١ إلى ١٩١٤ وانتظم بالرواق الشامي ولُقِّب بالشيخ الفراتي وكان العُرف السائد في حينها أن يلقَّب الشعراء أنفسهم نسبة إلى بلدانهم كابن النيل أو ابن دجلة. وكان من زملائه طه حسين وأحمد شاكر الكرمي وزكي مبارك وعبد القادر المازني.شارك الفراتي في الثورة العربية الكبرى، وكان يجمع البدوية والعشائرية مع الوجودية والاشتراكية. فمنحه الملك فيصل بن الحسين رتبة ضابط ـ إمام طابور ـ في الثورة العربية الكبرى، ثمَّ كلَّفه بالإفتاء وبكتابة الخطب الحماسية للثوار.وهذا ما ألَّب عليه الحاسدين فكثرت حوله الوشايات. يقول الأديب سامي الكيالي في هذا: إنَّ الفراتي لا يكاد يستقرُّ في الحجاز، حتى يضيق بجوِّها الذي يحدُّ من حرية الفكر، ولا سيما بعد أن نثرت حوله الوشايات التي كادت تزجه في غيابة السجن، فيعود إلى مصر منتظراً الفرج. وله في
لكن سوريا تسقط بيد الفرنسيين حسب القسمة المتفَّق عليها بين بريطانيا وفرنسا، فيبدأ الفراتي حياته في مهنة التدريس، ويعيَّن أستاذاً في أول مدرسة تمَّ إحداثها في عهد الفرنسيين عام ١٩٢٠ ثمَّ يصير مديراً لها، وبعدها يُعيَّن مديراً للمعارف في لواء دير الزور.
في أثناءها يقوم الفراتي بتأجيج الصراع وتجييش رأي الطلاب بشعره ضدَّ الفرنسيين الذين احتلوا سوريا ويحتلون الجزائر مما أغضب المستشار الفرنسي الذي كان يحضر حصَّة دراسية له، فيعمل على تسريحه من التعليم. يُفاجأ الفراتي بتسريحه هذا ويُقابِل على الفور وزير المعارف السوري «رضا سعيد» ليعرف أسباب التسريح وبقي شاعر الفرات يتغنى بالقيم ومحبة البلد ومن جميل ماقال في قصائده :
أولئك صحبي فتيةُ الشام أصبحوا
يقاسون أنواع الأذى وَهُمْ هُمُ
فيا لبلاد النيل قوموا بنصرهم
فهذا أوان النصر فالقوم أعدموا
انهضْ وَرَوِّ العوالي من عداكَ دما
واستخدم السيف والقرطاس والقلما
ففي الجزيرة..في وادي الفرات وفي
أرض العراق قلوب تصطلي ضرما
إن لم تصلْها وتطفي غَلْيَ مرجلها
تضم جيشاً يعمُّ السهل والأكما
يكون آخرُهُ “بالدير” متصلاً
وصدرُ أَوَّلِهِ “بالفاو” مرتطما
لقد طالَ عهدي بالسكوت وإنما
نطقتُ لأن الحالَ تدعو إلى النُّطْق
لمن نرفع الشكوى ومالِكُ أمرنا
علينا قضى أن لا نعاملَ بالرفق
هو الظلمُ مالم يَلْقَ نفساً أبيّةً
يجرُّ إلى الفوضى ويدعو إلى المحق
ألا فلتقلْ فينا الحكومة رأيها
فما بعد هضم الحق أشفى من الشنق
يندُبْنَ حولي أم ينحْنَ حيالي
ما للقماري الصادحات ومالي
ماذا ترون بفتية طبعت على
حرية الأقوال والأفعال
لم يكفكم منها إضاعةُ حقها
حتى عقلتم عزمها بعقال
الحر يأبى أن يبيعَ ضميرَه
بجميع ما في الأرض من أموال
ولكم ضمائرُ لو أردتُ شراءها
لملكت أغلاها بربع “ريال”
شتان بين مصرّح عن رأيه
حرٍّ وبين مخادع ختّال
يرضى الدناءةَ كلُّ نذلٍ ساقطٍ
إن الدناءةَ شيمةُ الأنذال
ترقّتْ شعوبُ الغرب من حيث أننا
من العلم لا قشراً أصبْنا ولا لُبّا
مشَيْنا فُرادى في طريق حياتنا
وساروا جميعاً في طريق العلا وثبا
ومنْ يمشِ فرداً في الحياة فإنه
يرى السهل كلَّ السهل في سَيْرِهِ صعبا
نظمتُ القوافي لا أريدُ مثوبةً
عليها ولكنْ كي أُعزّي بها القلبا
وفي ١٧حزيران عام ١٩٧٨ توفي الفراتي رحمه الله في مدينته دير الزور ودفن فيها بعد ثمان وتسعين عاماً مليئة بالعطاء الله محدود فكان خير ممثل لأبناء دير الزور.

مروان مجيد الشيخ عيسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.