تنظيم د.ا.عش في أفريقيا.. أوغندا تحاول إنقاذ الكونغو من براثن التنظيم

يأمل الكثير من سكان مناطق جمهورية الكونغو الديمقراطية، أن يؤدي التنسيق بين قوات بلادهم والجيش الأوغندي إلى القضاء على تنظيم د.اع.ش وسط مخاوف من عدم حدوث ذلك في القريب العاجل، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
ففي الأشهر الثلاثة الماضية، قصفت القوات الأوغندية جماعة “القوات الديمقراطية المتحالفة” الموالية لدا.ع.ش في المنطقة الحدودية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد أجبرت الهجمات التي وقعت في سلسلة جبال روينزوري الممتدة عبر كلا البلدين، العديد من الكونغوليين على مغادرة منازلهم والانتقال إلى المدن بحثًا عن مأوى.
وكان دبلوماسي كبير في الأمم المتحدة قد ذكر في نوفمبر الماضي لوكالة رويترز إن “رئيس جمهورية الكونغو فيليكس تشيسيكيدي، أبلغ بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام يوم الجمعة أنه وافق على تعاون عسكري مع أوغندا ضد القوات الديمقراطية المتحالفة”، في محاولة لاجتثاث المتمردين.
وزادت الهجمات التي وقعت في العاصمة الأوغندية، كمبالا، العام الماضي من الحاجة الملحة إلى الخطط الجارية بالفعل للعمليات المشتركة لدعم القوات الكونغولية التي تعاني نقصا في الكفاءة والتمويل.
وتشير التقارير إلى احتمال مشاركة ما بين 1500 و 5 آلاف جندي أوغندي في الحملات العسكرية للقضاء على مقاتلي د.ا.عش الذي يقدر عددهم بنحو 1500 عنصر، والذي كانوا قبل مبايعة تنظيم الدولة عبارة مجموعات معارضة تشكلت في أواخر تسعينات القرن الماضي لمحاربة قوات الرئيس الأوغندي الأوتوقراطي، يوري موسيفيني، وتقع معسكراتهم في غابات كثيفة حيث ينفذون غارات وحشية على القرى، ويختطفون النساء والأطفال.

 

مأساة سارة

وسارة كاسانجا (اسم مستعار) إحدى القرويات التي اقتحمت ميليشيا القوات الديمقراطية المتحالفة قريتها كالينجاثي الواقعة شمال مدينة بيني بالكونغو الديمقراطية في ديسمبر 2019، حيث أجبر الناس على الاستلقاء على الأرض بينما كان المتمردون يفتشون المنازل بحثاً عن الطعام والأواني والنقود والملابس.
وتوضح كاسانجا “عندما قال الإرهابيون أنهم سيأخذونني أنا وأختي الصغرى وأخي شرعت والدتي في البكاء، ولكنهم طلبوا منها أن تلتزم الصمت وأن أطفالها سوف يعودون بعد أن ينقلوا حمولة المسروقات إلى معسكرهم”.
وتتابع: “ولكن تبين بعد ذلك كذبهم، فقد أخذت المجموعة المكونة مسلحا ثلاثة أولاد وفتاتين، حيث أمضينا شهرين ونحن نسير باتجاه المعسكر”.
وتزيد “بعد أن وصلنا هناك جرى فصلنا حسب الجنس، وأجبرونا على اعتناق الإسلام والصلاة وتعلم اللغة العربية وطلبوا من النساء تغطية أنفسهن بالكامل”، مردفة: “كانوا يجبرون الأسرى على القتل والعنف من ويرفض يهددون بإنهاء حياته”.
ونوهت إلى المقاتلين كانوا يأخذون النساء والفتيات زوجات ومحظيات لهم لمنعهن من الهرب بعد أن “خوفا من وصمة العار”، مضيفة: “كادوا أن يجدوا لي زوجا قبل هروبي بقليل من معسكرهم والعودة إلى والدتي”.
وكانت كاسانجا قد تمكنت من الهرب في العام 2020، موضحة: “جرى إرسالنا للبحث عن الطعام بالقرب من أويشا، وعندها قررت السيدة التي كنت برفقتها الهروب وطلبت مني مرافقتها، مردفة: “خفت من تركي أخوتي ورائي وفي نفس الوقت كنت أخشى العودة إلى المعسكر”.
وتختم قائلة: “لقد سمعت أن أخوتي بخير، لكنني قلقة عليهم، وفي الوقت عينه أعيش في خوف دائم لأنه في حال عثر علي المتمردون مرة أخرى فسوف يقتلونني”.
مع وجود عشرات الجماعات المسلحة المتداخلة العاملة في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري، يصعب الحصول على أرقام دقيقة، لكن يُعتقد أن داعش قتل ما لا يقل عن 2238 شخصًا واختطفت 896 شخصًا منذ أبريل 2017، وفقًا لموقع Kivu Security Tracker، الذي يراقب العنف في المنطقة
وشهدت أويتشا، مثلها مثل العديد من البلدات في مقاطعتي شمال كيفو وإيتوري، تدفقًا لآلاف الأشخاص النازحين بسبب العنف، وفي هذا الصدد تقول ديزيريه كيلونجو، إحدى قيادات المجتمع المحلي، إنه منذ العملية المشتركة بين الكونغو وأوغندا، تضاعف عدد النازحين في أويشا ثلاث مرات إلى 21300، مما شكل ضغطًا على السكان المحليين.
وزادت في حديثها إلى الصحيفة البريطانية: “ستجد الآن عائلتين أو ثلاث عائلات إضافية تقيم مع الأصدقاء أو الأقارب في منزل صغير مؤلف من غرفتين فقط”.
وفي القرى المجاورة، تنام العائلات في المدارس، حيث يتم طهي الوجبات في الملاعب، فيما يشعر المعلمون بالأسى لسوء النظافة في دورات المياه في تلك المدارس.
ويقول المجلس النرويجي للاجئين (NRC) إن 1166200 شخص نزحوا هربا الجماعات المسلحة حول أويتشا.
ومن المتوقع أن يؤدي انتشار الجيوش والجماعات المسلحة إلى تصعيد الصراع، مما يؤدي إلى مزيد من النزوح والمعاناة للمدنيين، مما يهدد تلك المجتمعات بالانهيار الوشيك، كما تقول مديرة جمعية DRC الخيرية، كيتلين برادي.
وفي مخيم كيليكيلي، حلقت الكثير من النساء شعورهن حدادًا على أطفالهن القتلى، فيما يقول ديفيد جلاموك، وهو رجل مسن نزح مدينة ماتيبا، إن القوات الديمقراطية المتحالفة قتلت في مايو الماضي جميع أطفاله الستة باستثناء طفل واحد، فيما خسرت ابنته، التي كانت تقف بجانبه، أطفالها الخمسة وزوجها الذين قضوا في نفس الهجوم.
وقال جلاموك أنه اختبأ من عناصر د.ا.عش، ولكنه شاهدهم وهم يقطعون رأس صديقه بعد أن جثموا على صدره، فيما تحدث آخرون عن إقدام المتمردين على تقطيع الناس إلى أشلاء بطريقة وحشية.
وقال أحدهم إنه رأى نساء يقتلن نساء وأطفال يذبحون أطفال بوحشية قبل سرقة الطعام والممتلكات في قريته.
وكان رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، عن “حالة حصار” في مناطق إيتوري وشمال كيفو في مايو 2021، حيث حلت السلطات العسكرية محل نظرائها المدنيين، وجرى منح أفراد الأمن سلطات إضافية ولكن أعمال العنف والقتل بقيت مستمرة.

 

احتجاجات ضد “حفظ السلام”

وتدعم بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “مونوسكو” التي يبلغ قوامها 15 ألف جندي قوات جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى الرغم من فعاليتها في استهداف جماعة متمردة أخرى في العام 2013، بيد أنها واجهت انتقادات بشأن سجلها في حماية المدنيين من د.ا.عش مع حصولها تمويل سنوي يزيد عن مليار دولار.
وقد شهد أغسطس الماضي احتجاجات مناهضة لـ”مونوسكو” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهنا توضح، نيليكي فان دي وال، من مجموعة الأزمات الدولية: “تبدأ القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية عملياتها، فتنتقم خلايا د.ا.عش من المدنيين، فينقلب السكان الغاضبون على مونوسكو لفشلها في حمايتهم”.
وتمثل العملية المشتركة بين القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا تحديات لمونوسكو، التي لديها تفويض فقط لدعم القوات الكونغولية، كما تقول، رئيسة مكتب قوات حفظ السلام في مدينة بيني، سيسيليا بيازا، التي أوضحت أن التنسيق هو مفتاح “لفهم ما يجري، خاصة عندما يكون لديك قوى مختلفة في نفس المسرح”.
وتؤكد بيازا أن قوات حفظ السلام تستمع إلى الانتقادات وتنشر “قوى رد الفعل السريع” التي تكون “متحركة وقوية وتستطيع التعامل مع ميليشيات القوات الديمقراطية المتحالفة، ولكنها تعترف بمخاوفها من أن الهجمات على معاقل داعش  تدفع المتمردين للذهاب إلى أماكن أخرى من البلاد.
من جابنها، توضح، فان دي وال، أن هناك مخاوف أيضًا من أن القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية تستفيد من عقد صفقات مع العصابات الإجرامية، موضحة”إن جنود القوات الحكومية يتقاضون رواتب متدنية وأحياناً يكونون أسوأ تجهيزاً من الجماعات المتمردة”.
وقد أدى فشل دولة جمهورية الكونغو الديمقراطية في حماية المجتمعات في بيني إلى تعزيز ميليشيات الدفاع عن النفس، المعروفة باسم “ماي ماي”، ويشرح باتريك مويندا (اسم مستعار)، البالغ من العمر 20 عامًا، كيف يتم استدراج “الوطنيين” الشباب إلى تلك الميليشيات.
ففي عام 2016، جاء رجل إلى قريته بثلاث بنادق، قائلا: ” إن داعش تقتل المدنيين وأن القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية لن تحمينا لأنها تعمل معهم وبالتالي قال إنه من أجل حماية أرضنا وعائلاتنا، كانت القرية بحاجة إلى تشكيل مجموعتها الخاصة، ومهاجمة قواعد القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وأخذ أسلحتهم “.
واشترى بعض القرويين أزياء عسكرية من الأسواق وصنعوا أقواسًا وسهامًا، فيما يقول مويندا إنه كان يحمل مسدسًا في بعض الأحيان، لكنه يستخدم في الغالب المنجنيق، حيث قام بمداهمة قواعد القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية لسرقة الزي الرسمي والأسلحة بعد شرب الكحول المصنوع من الذرة الرفيعة والموز.
وتابع: “كان القتال قاسيا. لقد شننا أربع هجمات وكانت القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية التي شنت هجمات مضادة، وكنا نشرب كمية صغيرة من السائل السحري الذي قال القائد إنه سيحمينا من الرصاص.. لقد شعرت بالدهشة أن أكون عضوًا في الحركة، مع العلم أننا نقاتل لكي نحمي أرضنا”.
ثم جاءت ميليشيا جديدة، هي اتحاد الوطنيين من أجل تحرير الكونغو (UPLC) ،إلى القري، وعرضت تدريب مجموعة مويندا، لكنهم لم يغادروا، وانتهى بهم الأمر بالسيطرة على القرية والتعاون مع داعش، وعندها هرب مويندا إلى بيني.
في العام الماضي، عشية عيد الميلاد، استولى الأوغنديون على معسكر كبير لداعش يعرف باسم كامبي يا يوا، وفي اليوم التاليرد انتحاري تابع لـ”القوات المتحالفة الديمقراطية” باستهداف مطعم، مما أسفر عن مقتل ثمانية وإصابة 20 آخرين.
وفي مستشفى بيني مازال الضحايا يتعافون، حيث ترقد الفتاة، ماسكيا موكون شانيل، البالغة من العمر خمس سنوات في خيمة تابعة للصليب الأحمر، وهي تعاني من إصابات في وجهها وكادت أن تفقد إحدى عينيها بعد خسرت أختها في الاعتداء ذاته.
وتقول أنتو كاهامبو كاغوما، جدة مسكيا، “لقد صدمت عندما سمعت بما حدث لابنتي وأطفالها.. فهذا لن يحدث هذا في مكان توجد فيه حكومة جادة”، بينما يؤكد جالاموك الذي خسر كل أطفال إن الناس يريدون فقط من القوات الأوغندية والقوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية أن ترسي السلام، خاتما قوله: “سنقبل بأي شيء لوقف المذابح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.