تشدّكَ رهبةُ التاريخ وقداسة المكان فتقف مُسمّراً وكأنّ على رأسك الطير أمام الصرح العظيم بمن فيه
ومنَ فيه ؟ فيه قبر أبي العلاء المعري شاعر الحكمة والفلسفة الذي ترك رسالة الغفران منهلاً مشرعاً لعلماء وشعراء العرب و الغرب فنهلوا منها حتى الثمالة فكتب دانتى الكوميديا الألهية مقتفياً آثار خطى ابي العلاء
وإذا ما دخلت المكان فلا يسعك إلا أن تُمررَ أصابعك على شاهدة القبر فتقرأ بقلبك قبل عينيك
هذا جناهُ أبي عليَّ ..وماجنيت على أحد
وكأنكَ مرغمٌ على التضامن مع الشاعر الكفيف الذي قرأ الدنيا وما وراءها ببصيرته ولم يكن للبصر الخادع إليه سبيل.
ثم تنحرفُ لتقرَّ عيناك بروعة البناء وهندسة الواجهات المقنطرة فوق الأبواب والشبابيك المزخرفة بإتقان مع مسحة الجمال الأخّاذ، خمس خطوات ليس أكثر تصل لحاضرك السعيد فتنظر إلى الشرق وترى نهراً بشرياً يتدفق بالحياة ، افواجٌ وأمواجٌ من البشر يقبلون ويدبرون يضحكون ويتهامسون، بداةٌ وحضريون ومزارعون وفلاحون ، تجارٌ وبائعون ، عشاقٌ ومحبون ،
وتطرب للإيقاع الموسيقي الذي يطلقه بائعو الخضار والفواكه بعبارات لاتخلو من الطرافة والملاحة ، والألوان تستهوي الناظرين، كلُ الأصناف المستجلبة ومن نتاج المحلي ، حتى ماتخرجه أرض البراري والقيعان تجده معروضاً في أسواق المعرة، فضلاً عن كل مايخطر في بالك من منتوجات حيوانية
وإلى الجانب الشرقي من سوق الخضار سيوصلك زقاق ضيق ومقنطر لباحة واسعة تحيط بها دور عربية قديمة يشغلها خيّاطون الألبسة العربية الأصيلة ذات الطابع الشعبي الجميل ، وإلى الشمال من السوق القديم واثناء مرورك بسوق الحدّادين تجدهم قد أشعلوا كوانينهم وشحذوا المعاول والفؤوس والازاميل والعتلات لزبائنهم، ويفضي بك الطريق إلى باحة واسعةوعلى يمين المكان تنزل ثلاث او اربع درجات لتجد نفسك بصحن الجامع الكبير ذي الطراز المعماري القديم فالجانب القبلي منه مُصلى والجانب الشمالي مقطّع الى غرف متلاصقة شغلها طلاب متحلقون حول شيخهم لتلقي العلوم الشرعية الاسلامية وفق خطة وضعها الشيخ الجليل احمد الحصري رحمه الله، نعم هذه هي معرة النعمان وماذكرته قيض من فيض ولايتسع المقام للمقال عن المعرة الحبيبة ، التي يدور حولها رحى الخير والعطاء ليصبّ في أسواقها العامرة بيادرَ بركة ونماء، ففي روابي ريفها الشرقي تنتشر المداجن ومزارع تسمين الخراف والعجول وفي الغدفة ومعرشورين مصانع لاتهدأ تغرق الأسواق بالمفروشات والادوات الزراعية
وفي شمال المعرة كل أنواع البلاط والرخام العادي والمعرّق وفي غربها بساتين العنب والتين والزيتون والكرز والمحلب والوشنة
وإلى جنوبها معاصر الزيتون والزبيب ،
أخيرا : لايمكن إلا أن تبدي أعجابك بشخص الانسان المعري الذي يتمتع بالنباهة ودماثة الخُلُق وطيب السريرة والطوية ولا غرابةَ عليه ذلك لموقعه وسط منظومة من القيم والأخلاق والعادات والأعراف التي ترفد موقعه الحضاري من كل جوانب المعرة (ابي العلاء المعري).
إعداد: محمد السليمان