ثَمَّةَ الكثير من التطورات السياسية على الساحة العالمية بشكل عام وعلى ساحة الشرق الأوسط بشكل خاص، وهناك أزمات من كل نواحي الحياة سواء كان من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو في الوحدة الثقافية, وهذا يؤدي إلى خلق صراعات داخلية وخارجية على الصعيدين العالمي والإقليمي، باختصار نحن بصدد حرب عالمية ثالثة, والخصوصيات المتعلقة بالحرب العالمية الثالثة مختلفة عن الحروب العالمية السابقة، فخصوصية الحرب العالمية الثالثة تكمن في أنَّها ليست حرباً عسكرية صرفةً، بل هي تتضمن في داخلها حروباً سياسية وثقافية واقتصادية وحتى اجتماعية, فهذا يؤثر على النسيج الاجتماعي بشكل مباشر, وإنَّ وضع الشرق الأوسط بشكل عام يدل على أنَّه يعيش أزمة اجتماعية بسبب تراكم أزمات القضايا الاقتصادية والثقافية والتخبطات السياسية، وسببها الأساسي هو الإصرار على الدولة القومية المستندة على الشوفينية والعنصرية، وهذا الأمر يؤثر بشكل سلبي على الإرث التاريخي المستند على العلاقات الاجتماعية ما بين المكونات الموجودة على هذه الجغرافية، وإن الإصرار على هذا النظام أدَّى إلى تفاقم الأزمات في هذه المنطقة وبخاصة التقسيمات الجغرافية التي حصلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ مما أدى إلى تفاقم الأزمة أكثر فأكثر، لأنه ليس هناك أي مشاريع ديمقراطية تستطيع أن تقوم بحل هذا القضية الاجتماعية المتراكمة منذ فجر التاريخ حتى الآن.
ففي الوقت الذي دخلت فيه الدول الخارجية إلى هذه المنطقة أصبحت الشعوب الموجودة في الشرق الأوسط مسلوبة الإرادة ، وقد تمَّ قسيم الشعب العربي إلى 22 دولة ، وتقسيم الشعب الكردي إلى أربعة أجزاء؛ أما الإبادات التي حصلت بحق المكونات الأخرى من السريان والآشوريين والشركس والشعوب الأخرى، فقد أدَّت إلى صراعات طائفية وقومية، وبهذا استطاعت الأنظمة العالمية أن تتحكم بمُقدّرات الشرق الأوسط، وإنَّ الإصرار على نهج الدولة القومية سيؤدي إلى تعمق الأزمة بشكل كبير، والضحية ستكون الشعوب الموجودة على هذه الجغرافية منذ مئات السنين، وإن دخول الدول الخارجية إلى هذه المنطقة أدى إلى تفاقم الأزمة, ولاسيما الأزمات التي تعيشها كل الدول الموجودة على جغرافية الشرق الأوسط من لبنان إلى العراق والسودان واليمن وسوريا إلى آخره, وإنَّ تفاقم هذه الأزمة في هذه الدول سببها الأساسي هو الإصرار على مشروع الدولة القومية الذي يخلق صراعات لاستنزاف طاقات الشعوب المعنوية والمادية، وإنَّ كل هذه الصراعات تؤثر على بعضها لإننا نعيش في عالم يعيش في خضم العولمة، وإذا نظرنا إلى الوضع السوري فهو غير منفصل عن الأزمات الموجودة في العالم و الشرق الأوسط ، وإنَّ تعمّق الأزمة منذ 10 سنوات في سوريا يعود لسببين أساسيين :
هما إصرار النظام السوري على العقلية القومية القديمة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم وجود معارضة حقيقية وموحدة في الواقع وتحولها إلى أداة تتبع لأجندات خارجية تستخدمها من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية، فمعظم أطراف المعارضة التي كانت تُطلق على نفسها اسم المعارضة أصبح أفرادها مرتزقة بأيدي قوة خارجية؛ لذلك ستمتد الأزمة السورية إلى سنوات أخرى، وهذا سيؤثر سلباً على الشعب السوري.
إنَّ تدخلات الدول الإقليمية المجاورة لسوريا وبخاصة الدولة التركية التي قامت بحراف الثورة السورية عن مسارها الحقيقي بسبب استخدام الدولة التركية الفصائلَ المسلحة الإسلامية المصنفة جماعات وكيانات إرهابية متطرفة؛ أدى إلى تفاقم الأزمة السورية وتهجير الشعب السوري من مدنه وقراه، حيث تمَّ تخريب المدن وتهجير الملايين من الناس من ديارهم، ويُعد دعم الدولة التركية للفصائل الإرهابية وعلى رأسها داعش وسيلة لنسف المشاريع الديمقراطية ولاسيما في مناطق شمال وشرق سوريا المتمثلة بالإدارة الذاتية, وإنَّ احتلال الكثير من المناطق السورية من قبل الدولة التركية والفصائل المرتزقة التابعة لها أدى إلى تقسيم سوريا بصورة فعلية؛ لأنَّه يستخدم هذه المناطق لزعزعة الاستقرار والأمن في سوريا بشكل عام ومناطق شمال وشرق سوريا بشكل خاص، وإنَّ تعمّد الدولة التركية إلى استخدام لغتها وعملتها في هذه المناطق دليل صارخ على تقسيم سوريا عملياً؛ أمَّا في مناطق شمال وشرق سوريا: فقد استطعنا بإرادة الشعوب الموجودة المحافظة على وحدة الأراضي السورية عن طريق بناء الإدارة الذاتية من الناحية السياسية وبناء قوات سوريا الديمقراطية من الناحية العسكرية، وحافظنا بهذا الشكل على حماية النسيج السوري من كل المكونات وهذا يدل على أنَّ المشروع الديمقراطي الذي تمَّ تبنيه وتطويره هو المشروع الأمثل لحل الأزمة السورية.
ومن الجانب الآخر ثمَّة هجمات من قبل الدول الإقليمية على هذه المشروع الديمقراطي المتمثل بالإدارة الذاتية الديمقراطية، وبخاصة هجمات الدولة التركية، فمنذ بداية الثورة حتى هذه اللحظة تستخدم كل الوسائل والطرق من أجل تصفية هذا المشروع، استخدمت الفصائل المسلحة الإرهابية في الهجوم على مناطق شمال وشرق سوريا مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض ومناطق أخرى، وأصبحت هذه المناطق مأوى للإرهابيين؛ وإن القيام بالتغيير الديمغرافي في هذه المناطق هو جريمة ضد الإنسانية ، وكل هذا يجري أمام أنظار العالم وبصمت دولي مطبق، وهذا دليل على أنَّ الكثير من الدول تدعم سياسة الدولة التركية في تصفيات المشاريع الديمقراطية في المنطقة؛ وأيضاً تستخدم أساليب الحرب الخاصة من الناحية الإعلامية بشكل ممنهج من قبل النظامين السوري والتركي ولاسيما أنَّ هذه الأنظمة تستخدم النعرات الطائفية والقوميه لكي تستطيع التحكم بمناطق الإدارة الذاتية, وعلى وجه الخصوص الهجوم الأخير على سجن الصناعة في حي غويران من أجل إخراج الإرهابيين من السجن لزعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة وبدعم من قبل النظامين السوري والتركي، لاستخدام الإرهابيين في التحكم بكل المنطقة, وإنَّ تصريحات النظام الأخيرة تدلُ على إصراره على التمسك بنهجه القديم، ولكن مقاومة قوات سوريا الديمقراطية والأمن الداخلي ومساعدة الشعب لهذه القوات أدى إلى إفشال هذه المؤامرة؛ ومع إعلان انتصار هذه القوات قامت الدولة التركية بالهجوم بالطائرات المسيرة على بعض النقاط المدنية انتقاماً لداعش، وإذا كانت دول التحالف الدولي جادَّة في الحرب على الإرهاب فيجب عليها قطع الطريق على الدولة التركية في تمويل الإرهاب ودعم الإرهابيين.
أماعن النظام السوري: فقد قام بإعداد بعض المخططات من أجل ضرب الاستقرار والأمن وخاصة المصالحات مع بعض الأشخاص من ذوي النفوس الضعيفة؛ وذلك من أجل السيطرة على المنطقة.
لذلك يجب علينا مجابهة هذه الأخطار المحدقة بمناطقنا عن طريق توعية الشعب وتطوير الحرب الشعبية و الثورية كي نستطيع الحفاظ على مكتسبات ثورة شمال وشرق سوريا، والحفاظ على الإدارة الذاتية التي تهدف بالأساس إلى تقوية النسيج الاجتماعي السوري, ومن هذا المنطلق يجب القيام بتطوير الدبلوماسية الاجتماعية وتطوير الاتفاق الاستراتيجي ما بين المكونات الموجودة في سوريا, وبالتالي القيام بدعم الدبلوماسية مع الدول المعنية بالملف السوري للحفاظ على مكتسبات ثورتنا, ومن ناحية ثانية: القيام بتطوير إدارة مؤسسية بصورة صحيحة لكي نستطيع تطوير الاكتفاء الذاتي من اقتصادياً، وترسيخ مبادئ الأمة الديمقراطية؛ وفي هذا العام الجديد يجب علينا الالتزام بواجباتنا أمام تضحيات شهدائنا وقيمهم المعنوية، فهم الذين ضحَّوا بأغلى ما لديهم من أجل الحفاظ على كرامتنا وشرفنا.