من معالم سورية الأثرية.تل براك في ريف الحسكة.

ريف الحسكة .تل براك الذي يقع غربي نهر جغجغ أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة في سوريا وهو من التلال الأثرية المهمة في سوريا.تعود أهمية تل براك إلى موقعه الجغرافي، إذ كان بوابة تتحكم بالطرق التجارية المنطلقة من جنوبي بلاد الرافدين إلى بلاد الأناضول شمالاً، وإلى الفرات والبحر المتوسط غرباً. كان تل براك مدينة ذات أهمية بالغة منذ بداية الألف الرابع ق.م. وأثبتت الحفريات أهمية التواصل الحضاري للموقع، سواء من ناحية التحضر أو التنظيم الإداري، وصار تل براك (نَغَر) في نهاية الألف الثالث ق.م أكبر المواقع في حوض الخابور وأهمها، إذ إنه كان يتحكم بمعظم الطرق التجارية القادمة من بلاد الرافدين، التي تنقل بوساطتها المواد الخام إلى الأناضول وإلى الغرب، وتشهد الأبنية المشيدة في أواسط الألف الثالث ق.م، على تطور معماري لا مثيل له. وتشير اللقى الأثرية الفريدة إلى نظام إداري دقيق في عصر الامبراطورية الأكادية، وبذلك يكون تل براك المركز المهم الثاني إضافة إلى تل موزان، من العصر الحوري ـ الميتاني في نهاية الألف الثالث، علماً بأن التل قد سُكن باستمرار حتى العصر الروماني، مما يدل على أهميته.
الاستراتيجية.كان تل براك من أهم المواقع الحضارية في الألف الخامس ق.م، إذ شهد حضارتي حلف والعُبيد، إلا أن طبقات هاتين الحضارتين كانت متوضعة تحت طبقات حضارات الألف الرابع والثالث ق.م، وكان من المتعذر الوصول إليهما بسهولة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية الموقع في عصور ما قبل الكتابة.في تل براك عُثر على بناء مدرج ومعبد وفيه عُثر على محتويات ومكتشفات اثرية هامة، ففي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات كثيرة وأقنعة بشرية وعيون وأصنام حتى سمي بمعبد العيون ، وتعود إلى الحقبة 3500 – 3300 ق.م.
وفي معبد “تل براك” هذا عُثر على مئات من التماثيل وآلاف من الكسر الحجرية والرخامية تمثل أشخاصاً لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة والعينان البارزتان جداً، مما يدل على استخدام سحر الإصابة بالعين، فهي إذن تمائم وطقوس دينية لها دلالات للحماية من الشر والعدو ، وهي واحد من المعتقدات وطرق التقرب من الالة في هذه المنطقة من سوريا . ولعلها تعاوذها قدمها السكان إلى المعبدتعبيراً عن لصد العدوان المحتمل الذي يهدد المدينة ولجلب الخير وابعاد الشر . وثمة تمائم عُثر عليها في المعبد في شرفة العيون، تمثل حيوانات كالضفدع والقنفد والدب والأسد وغيرها من التماثيل والتمائم .
تحيط التل به مجموعة من التلال الصغيرة، تعود بتاريخها إلى عصر أوروك حتى العصر الروماني، عُثر على سطحه على كُسر فخارية تعود بعهودها إلى 6000سنة ق.م تقريباً، ويبدو أن الموقع استُوطن منذ ذلك الحين واستمر فيه الاستيطان إلى الألف الأول ق.م.
تشير المكتشفات التي عُثر عليها في تل براك وفي المواقع المجاورة، مثل تل بيدر، إلى أن الموقع يخفي في داخله مدينة نَغَر Nagar القديمة، التي كانت من أهم المدن في شمالي سورية في الألف الثالث ق.م، وكانت تحتل الموقع نفسه مثل مدن كيش وماري في قوائم محفوظات إبلا.
عثر مهندسون فرنسيون في الموقع على تمثال بازلتي عام 1930، معروض في متحف اللوفر في فرنسة، وقام «بيير بواديبار»، الذي كان مسؤولاً عن تصوير المواقع الأثرية من الجو في المنطقة بنشر بحث عنه، كما قام بتنفيذ أسبار صغيرة في تل براك ليتحقق من موقع التمثال في الأصل. ومن عام 1937 إلى عام 1938، نقب فيه ماكس مالون Max Mallowan، وعُثر على معبد العيون الشهير جداً والمُؤرخ في نهاية الألف الرابع ق.م، كما كُشف عن بناء نُسب إلى الملك الأكادي «نارام سن»، ومنذ عام 1976 تقوم بعثة إنكليزية بإدارة «ديفيد أوتس» مع زوجته David and Joan Oates بالتنقيب في الموقع، وانصب جهدهما في السنوات الأولى على دراسة معالم المدينة في الألف الثالث ق.م، وبشكل خاص خلال الحكم الأكادي، إذ جعل الحكام الأكاديون منها مقراً إدارياً لمملكتهم. وفي الثمانينات ركزا اهتمامهما على تاريخ المدينة، خلال الحكم الميتاني، في النصف الثاني من الألف الثاني، ويجهدان حالياً في الكشف عن طبقات الألف الرابع ق.م، أي عصر حضارة أوروك، حيث كان تل براك في ذلك العصر من أكبر المدن في غربي آسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.