رصدت تقارير مراكز الأبحاث الأميركية والصحف الدولية تقييماً متقاطعاً لمستقبل سوريا بعد عام من وصول
الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة، حيث قدّم عدد من الخبراء رؤى مشتركة حول الفرص والتحديات التي تواجه
دمشق في مرحلة الانتقال السياسي وإعادة بناء الدولة.
آراء خبراء مراكز الأبحاث الأميركية حول مرحلة الشرع
يرى فريق من الباحثين في
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومنهم آرون زيلين وجيمس جيفري،
أن أمام الحكومة السورية الجديدة فرصة نادرة لإحداث تغيير عميق في بنية الدولة وإعادة دمج سوريا في
محيطها الإقليمي والدولي، مؤكدين أن الشرع قطع خلال عام واحد مساراً غير مسبوق من حيث توسيع
الانفتاح الدبلوماسي، وإعادة تفعيل العلاقات مع القوى الخليجية والغربية.
وتشير دراسة صادرة عن المعهد بعنوان
«New Syria, Year Two: Rebuilding Institutions and Governance»
إلى أن الحكومة الانتقالية حققت منذ سقوط النظام البائد خطوات ملموسة على مستوى
استعادة بعض الخدمات الأساسية،
وإعادة فتح قنوات الاستثمار، والبدء في إعادة ترتيب مؤسسات الحكم بما ينسجم مع رؤية أكثر مركزية للدولة.
فرص بناء الدولة… وتحدي تفكيك الفصائل
في المقابل، يحذّر عدد من الخبراء من أن بقاء الفصائل المسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة
قد يتحوّل إلى العائق الأكبر أمام تثبيت الاستقرار.
ويشددون على أن أي مشروع لبناء «سوريا جديدة» لن يكتمل دون
تفكيك البنى المسلحة الموازية
أو دمج ما يمكن منها ضمن الجيش والمؤسسات الأمنية الرسمية،
وفق معايير واضحة للقيادة والمساءلة.
كما يلفت هؤلاء إلى أن التحدي الأمني يرتبط بشكل وثيق بالوضع الاقتصادي؛
إذ إن المسار الأمني من دون إصلاح اقتصادي حقيقي قد يؤدي إلى عودة التوترات
وتغذية اقتصاد الظل وشبكات التهريب والسلاح.
تحوّل دراماتيكي: من العزلة إلى الانفتاح
المحلل الأميركي سيث فرانتزمان عبّر عن تفاؤله الكبير بمستقبل سوريا تحت قيادة الشرع،
واصفاً التحول خلال أقل من عام بأنه
«رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح والإصلاح»،
مع انتقال البلاد من خانة الدولة المنبوذة إلى دولة ذات فرص واعدة،
مدعومة من الغرب ومن لاعبين وازنين في الخليج العربي والمنطقة.
ويرى فرانتزمان أن شخصية الشرع وطريقة تعاطيه مع الملفات السياسية والأمنية
جعلته في نظر عدد من المراقبين «رجلاً مثيراً للإعجاب ومغيراً لقواعد اللعبة»،
خصوصاً في ظل محاولته الجمع بين الحفاظ على وحدة البلاد والانفتاح على شراكات اقتصادية وسياسية جديدة.
زيارة البيت الأبيض ورفع العقوبات
ويشير محللون إلى أن الزيارة التاريخية التي أجراها الرئيس أحمد الشرع إلى البيت الأبيض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي
شكّلت محوراً مفصلياً في إعادة صياغة علاقة دمشق بواشنطن،
إذ تزامنت مع رفع اسم الشرع من قائمة العقوبات الأميركية وتجديد تعليق «قانون قيصر»
الخاص بالعقوبات على سوريا، ما فتح الباب أمام مسار تفاوضي جديد حول
الأمن الإقليمي وإعادة الإعمار.
ووفق هذه المقاربات، فإن تخفيف العقوبات وإعادة فتح قنوات التمويل والاستثمار
يمثّل شرطاً ضرورياً لتعافي الاقتصاد السوري، لكنه يبقى مشروطاً بقدرة الحكومة على
ضبط الفساد، وتوجيه الموارد إلى مشاريع تنموية حقيقية،
لا إلى شبكات نفوذ اقتصادية مغلقة.
تكاليف إعادة الإعمار وهاجس الاقتصاد
تقدّر تقارير اقتصادية أن تكلفة إعادة إعمار سوريا قد تصل إلى
نحو 216 مليار دولار،
ما يجعل الملف الاقتصادي أحد أخطر التحديات أمام حكومة الشرع.
فإعادة تشغيل البنية التحتية، وتأهيل المدن المدمرة، وخلق فرص عمل لملايين المتضررين
تتطلب شراكات واسعة مع دول الخليج وأوروبا والمؤسسات المالية الدولية.
ويذكّر خبراء في الحوكمة بأن أي تدفق استثماري كبير من دون
آليات شفافة للإنفاق والرقابة
قد يؤدي إلى إعادة إنتاج بنى الفساد القديمة بصيغ جديدة،
وهو ما حذّرت منه دراسات أشارت إلى مخاطر ظهور «حكومة موازية» أو
اقتصاد غير رسمي يتحرك خارج الرقابة المؤسساتية.
صورة سوريا الجديدة في الإعلام الدولي
تقارير صحفية دولية، من بينها تقارير لـفرانس 24 وذا غارديان،
ترسم صورة مزدوجة للمرحلة الراهنة في سوريا:
فمن جهة هناك اختراقات دبلوماسية وأمنية واضحة،
ومن جهة أخرى تبقى ملفات العدالة الانتقالية، وإصلاح القضاء،
وتحصين حقوق الإنسان، تحديات مركزية لم تُحسم بعد.
وتؤكد هذه التقارير أن السنة الأولى من حكم الشرع مثّلت انتقالاً
من منطق إدارة الأزمة إلى محاولة البدء في بناء دولة جديدة،
لكنّ مسار ترسيخ هذا التحول سيظل مرهوناً بما ستقوم به الحكومة في السنوات القليلة المقبلة.
خلاصة: فرصة تاريخية واختبار طويل الأمد
وفق مروحة واسعة من آراء الباحثين والخبراء في مراكز الأبحاث والصحافة الدولية،
تبدو المرحلة الحالية في سوريا مزيجاً معقداً من
فرص إعادة بناء الدولة
وتحديات تفكيك الفصائل المسلحة
والضغط الاقتصادي الهائل.
وبينما يرى هؤلاء أن الرئيس أحمد الشرع يمتلك اليوم فرصة تاريخية نادرة
لإعادة صياغة موقع سوريا في المنطقة والعالم،
فإن النجاح النهائي سيُقاس بمدى قدرة حكومته على:
- تفكيك البنى المسلحة الموازية وفرض احتكار الدولة للسلاح.
- بناء مؤسسات مدنية وأمنية فعّالة وخاضعة للمساءلة.
- اعتماد أعلى درجات الشفافية في إدارة ملف إعادة الإعمار.
- ترسيخ العدالة وسيادة القانون ومنع عودة شبكات الفساد القديمة.
وهي معايير عامة يتفق عليها معظم الخبراء عند تقييم مستقبل سوريا
في عهد الشرع، وسط ترقب إقليمي ودولي لِما ستؤول إليه السنوات القادمة.
المصادر
-
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى –
New Syria, Year Two: Rebuilding Institutions and Governance
-
معهد واشنطن –
Institutions and Governance in the New Syria
-
صحيفة الشرق الأوسط – تقرير «سوريا بعيون أميركية… رحلة جنونية من العزلة إلى الانفتاح»
aawsat.com/5217513
-
الشرق الأوسط – تقرير عن زيارة الشرع للبيت الأبيض
aawsat.com/5207751
-
تقرير فرانس 24 عن حصيلة العام الأول بعد سقوط النظام
france24.com
-
تقرير ذا غارديان عن سوريا بعد الأسد
theguardian.com/world