قراءة في التوترات الحاصلة على جانبي نهر الفرات

ديرالزور – مروان مجيد الشيخ عيسى 

بعد هذه السنين الطويلة من عمر الثورة السورية، وتقلبات الامتدادات والسيطرات على طول الأرض، وصلت الأوضاع إلى طرق متشابكة وملتوية.

فالواقع الميداني والسياسي يقول إن روسيا وإيران، وبما يحملانه في جعبتيهما من دوافع سياسية واقتصادية وعسكرية، فإن كل منهما ومنذ تدخله في القضية السورية يلعب علنا أو في الخفاء أدواراً كثيرا، وذلك يعود غالبا على ما تمليه عليهما مخططاتهما ومصالحهما الجيوستراتيجية، وعليه فالواقع السياسي الدولي وبكل المقاييس يقول إن هناك تنافسا مستمرا ومحتدما ما بين إيران وموسكو على الجغرافيا السورية وبلا أدنى شك يعتبر هذا التنافس الدائر إن صح القول امتداداً طبيعيا لتنافسهما الأشمل والأوسع في المنطقة العربية .

حقيقة الأمر وبالنظر لتضارب المصالح والأهداف والاستراتيجيات التي يسعى كل طرف إلى تحقيقها في سوريا، والتي وكما هو واضح في كثير من نقاطها أنها تتعارض مع مصالح وأهداف الطرف المنافس الآخر، فإن كلا القوتين المتواجدتين على الأرض السورية، كما يطفوا على السطح بين الحين والآخر تعتبران ومنذ عام 2015 في حالة توتر وعدم توافق على كثير من مجريات الأحداث التي تحدث على الصعيد السياسي والميداني العسكري.

أما على الجانب الآخر من تواجد الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من كل البروتوكولات وقنوات الاتصال الأميركية الروسية المفتوحة التي أنشئت في ذاك الوقت لتجنب أي خطأ أو تداخل وسوء تقدير في العمليات العسكرية التي يقومون بها على الجغرافيا وفي الأجواء السورية، وعليه فالشمال الشرقي من سوريا، وشرق الفرات تحديداً وحتى قرب قاعدة التنف في البادية الشامية على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني يشهد وبشكل دوري مناكفات واستفزازات روسية أميركية عديدة تشي كلها مجتمعة باحتمالية تصعيد المواقف وزيادة التوترات بين واشنطن وموسكو في المنطقة الأكثر أهمية في الجغرافية السورية، والتي يخضع جلها لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها واشنطن الذراع العسكرية لتحالفها الدولي في مواجهة تنظيم الدولة “د ا ع ش”. 

أما على الصعيد الميداني فالاتهامات بالاستفزازات هي دائمة ومتبادلة بين الطرفين، فها هو مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم يصرح بأن دوريات عديدة من قواته تتعرض لاستفزازات من القوات الأميركية وخاصة على أطراف الحسكة ومدينة الرقة، وأن مثل هذه الأعمال العدائية لها تأثيرات مدمرة في تطور الوضع وربما انفلاته وخروجه عن السيطرة، مشيرا إلى أن دوريات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده واشنطن تتحرك عبر مسارات غير متفق عليها ضمن آلية تفادي الصدامات المتفق عليه بين الطرفين.

أما الجانب الأميركي فبدوره وعلى لسان قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال أليكسوس غرينكيووتش صرح  أن الموقف العدواني لروسيا في سوريا إنما يأتي نتيجة للفشل الذريع للقادة العسكريين الروس في أوكرانيا، كما أن الطيارين الروس وبشكل دوري منذ عام 2019 يحلقون بشكل غير مهني وأنهم يناورون بطائراتهم بشكل عدواني ومستفز قرب الطائرات الأميركية وفوق مناطق سيطرتها، وهذا بحد ذاته يمثل تصعيدا كبيرا في سياق الأحداث الدولية المراهنة، ومن شأن هذه الاستفزازات أن تزيد من مخاطر التصعيد وسوء التقدير، وما معناه وقوع الحوادث الكارثية وبالتالي احتمالية وإمكانية حدوث التصادم المباشر بين الطرفين.

القيادة الوسطى الأميركية وردا على الاستفزازات والانتهاكات والمضايقات الروسية المتكررة في الآونة الأخيرة بادرت منذ أيام على نشر مقاتلاتها الأحدث من الجيل الخامس من نوع إف 22 رابتور في الشرق الأوسط حيث أكدت القيادة المركزية الأميركية أن نشر هذه الطائرات يظهر للجميع قدرة واشنطن على المناورة، وإعادة تموضع قواتها ونشرها في وقت قصير، وتنفيذ ضربات ساحقة لأعدائها، كما أنها ستوفر قدرة أكبر في مواجهة السلوك الروسي غير المهني في الجو.

يأتي هذا الأمر بعد تزويد وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في وقت سابق قواتها العاملة والمتمركزة قرب حقول النفط شرقيّ الفرات في كل من قاعدة حقل عمر للنفط وكونيكو للغاز والتنف بمنظومة صواريخ من طراز هيمارز، وبالتالي فواشنطن قد تكون أرادت من نشر طائرات إف 22 وإرسال منظومات هيمارز المتحركة التي غالبا ما تستخدم لتنفيذ ضربات دقيقة على الأهداف البعيدة إرسال رسالة ردع نارية ومباشرة موجهة للقوات الروسية والميليشيات الإيرانية.

فخلال متابعة الأحداث منذ عام 2015 وهو العام الذي تدخلت فيه موسكو لدعم النظام السوري، فإن القوات الأميركية والروسية المنتشرة على الأراضي السورية في حالة تنافس واحتكاك وعدم استقرار ميداني، حيث إن حدة الاستفزازات والتوترات تتزايد، وخاصة من قبل الروس ويأتي هذا بعد اندلاع عملية بوتين الخاصة ووقوف واشنطن والغرب بكل قوتهم فيها إلى جانب أوكرانيا ودعمها بكل متطلبات القتال المتطورة للدفاع عن نفسها.

وعليه وتحليلا فالواقع الحالي على الميدان يقول وبلا شك إن الولايات المتحدة الأميركية يتوافر لديها القدرات الكبيرة والمتنوعة على وقف وشل العمليات العدوانية والاستفزازات التي تقوم بها القوات الروسية برا وجوا، كما أن المعطيات تقول إنه ليس لدى الروس وأقلها في الوقت الحاضر القدرات العسكرية للصدام المباشر مع الأميركيين والدخول معهم في صراع مفتوح وذلك وكما أصبح معروفا بسبب سقوطهم غير المتوقع في المستنقع الأوكراني. 

فالمتوقع أن الطرفين سوف يبحثان عن تهدئة وخفض مستويات الاستفزاز وإيجاد مسار لخفض هذا التصعيد ومنع حدوث حرب كارثية قد تخرج عن السيطرة حرب لا تبقي ولا تذر.

يريدها النظام السوري ومليشياته للقضاء على آخر أمل للثورة السورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.