أثار تحقيق استقصائي لصحيفة ذا ناشيونال، أعدّه الصحفي الهولندي جوست جونجردين، جدلاً واسعاً بعد كشفه تفاصيل مذهلة عن البنية المالية السرية التي يعتمد عليها حزب العمال الكردستاني في أوروبا، والتي قد تُهدد بشكل مباشر فرص وقف إطلاق النار وإحلال السلام مع تركيا.
تتبّع التقرير آليات تمويل الحزب المحظور، وخلص إلى أنه لا يملك فقط قاعدة دعم اجتماعية كبيرة في أوروبا، بل يدير أيضاً شبكة مالية مُحكمة تتغذى على التبرعات القسرية، والابتزاز، وغسل الأموال، وحتى تجارة المخدرات، مما يمنحه قدرة على مواصلة التمرد المسلح ضد أنقرة.
ابتزاز منظم وسط الجاليات الكردية
كشف عالم الاجتماع جونجردين، الذي تابع نشاط الحزب لعقود، أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني يجوبون منازل الأكراد في أوروبا لجمع تبرعات “ثورية”، ويستخدمون المراكز المجتمعية كمنصات للتنظيم والتثقيف الأيديولوجي. فيما ذكرت وثائق استخباراتية أن الحزب استغل كوارث طبيعية مثل الزلازل في تركيا وسوريا لجمع ملايين اليوروهات تحت غطاء العمل الإنساني.
في فرنسا، أدّت تحقيقات قضائية إلى الكشف عن شبكة معقدة لجمع الضرائب داخل الجالية الكردية، تضمنت تهديدات جسدية وممارسات قسرية بحق من يرفضون الدفع. وقد أُدين 11 شخصاً في باريس بتمويل الإرهاب، وكُشف أن بعضهم أنشأ تعاونيات لغسل الأموال وتحويلها إلى جهات مجهولة خارج البلاد.
حوافز مالية تؤخّر نزع السلاح
رغم دعوة زعيم الحزب عبد الله أوجلان من سجنه إلى إلقاء السلاح وحلّ الحزب، إلا أن محللين يرون أن البنية الاقتصادية التي بناها الحزب في أوروبا قد تُشكّل عائقاً أمام تنفيذ هذه الدعوة. وقال ريتشارد أوتزن، الملحق العسكري الأمريكي السابق: “لدى الحزب حوافز مالية هائلة… لقد بنى بعض أعضائه إمبراطوريات اقتصادية من الصعب التخلي عنها”.
أوروبا: ساحة معركة خفية
تنتشر أنشطة الحزب في دول أوروبية مثل ألمانيا، فرنسا، السويد، والنمسا. ففي ألمانيا وحدها، قُدّرت إيرادات الحزب من “الضرائب الثورية” بـ17 مليون يورو سنوياً. وفي السويد، كشفت قضية احتجاز مسلح لرجل أعمال كردي عن شبكة ابتزاز منظمة، قادت إلى أحكام بالسجن على خلفية تمويل الإرهاب.
وأفادت يوروبول في تقريرها السنوي أن نشاطات الحزب تشمل الاتجار بالمخدرات، الاحتيال، غسل الأموال، و”التبرعات المشروعة ظاهرياً”، محذّرة من تنامي خطورته كجهة تمويل موازية.
ردود أفعال متباينة
بينما تواصل السلطات الأوروبية ملاحقة بعض أنشطة الحزب، يشير التقرير إلى أن الضغوط التركية لفرض الحظر على أنشطة حزب العمال الكردستاني في دول مثل السويد وفنلندا لعبت دوراً في تشديد القوانين. ورغم تصنيفه كمنظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2002، إلا أن بعض محاولات رفع اسمه من القوائم لا تزال مستمرة عبر المحاكم.
في المقابل، يُشكّل الحزب في عيون أنصاره حركة تحرر، ويواصل أنشطته الدعائية من خلال إنتاج أفلام، تنظيم مهرجانات، وترديد شعارات تدعو إلى إطلاق سراح أوجلان.
أوجلان… بين الزنزانة والرمزية
رغم عزله في جزيرة تركية منذ عام 1999، لا يزال أوجلان يحظى بمكانة رمزية وسط الأكراد، ويُعدّ منظّراً لفكرة “الحكم الذاتي المحلي” التي حلّت محل مشروع “الدولة الكردية المستقلة”. وتؤكد جماعات كردية في أوروبا أن دعوته الأخيرة للسلام “فرصة تاريخية” لحل الصراع، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بمدى التزام الحزب فعلياً بتطبيقها.
التحقيق الاستقصائي يضع المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الأوروبية، أمام تساؤلات صعبة حول مدى التزامها بتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب، والتوازن بين دعم حرية التعبير والحد من تغلغل التنظيمات المسلحة في جالياتها.
هل يمكن أن ينجح السلام بينما تستمر آلة التمويل السرية في أوروبا بالدوران؟
الجواب قد يُحدّد مصير صراع عمره أكثر من أربعة عقود.
لقراءة التقرير كاملا
شبكة الأموال السرية لحزب العمال الكردستاني في أوروبا تهدد جهود السلام