لو عرفنا الأدب المقارن أو دراسة الأدب المقارن ، هو تسليط الضوء على بلد أي بلد آخر ومن لغة إلى لغة أخرى ومن علاقات التشابه والتعبير والقرب والتأثير وتقريب الآداب والمعارف وكذلك بين مظاهر ومضامين النصوص بعضها عن بعض في الزمان والمكان المتباعدين والانتماء إلى لغات وثقافات متعددة من أجل الوصول إلى وصف واضح وفهم يجسد التذوق الأفضل . كما عرف الناقد الأمريكي الأدب المقارن أو دراسة الأدب المقارن ” هنري ريماك ” هو خلف حدود بلد معين ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومناطق لأخرى من المعرفة والاعتقاد من جهة أخرى . . وباختصار هو مقارنة أدب معين مع أدب آخر أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإنساني .“من هذا التوضيح الموجز نقرأ للشاعر ايميل برايساخ ،الشاعر ايميل برايساخ من مواليد 1923انتوكيراو ، النمسا ،أكمل دراسته في تاريخ الفن وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس بين عام 1945 و 1955 ومؤسس ورئيس ل فورم شتات بارك من عام 1958 – 1967 ،عمل مديرا للإذاعة والتلفزيون في مقاطعة شتايا مارك وكان ضمن المؤسسين لمهرجان خريف شتايا مارك الفني السنوي منذ عام 1978 ومؤسس ومدير أكاديمية غراتسيكتب في هذه المجالات الأدبية ، الشعر ، المسرح ، النثر . نشر عددا كبيرا من الدواوين الشعرية وكتبا مسرحية ، يقول في إحدى قصائده عن الليل .
” الليل
الليل بدون صخب
بدون حدود
الحياة تتدفق منك
وتزف للصخر
وتدور حول أعمدة الأشجار الفضة
تستريح في القمم
وتبحث عن الطريق
إلى صور النجوم بشجاعة “
وصف رائع لخروج الروح من الجسد بلغة شعرية إيحائية، المعنى يختبئ بين السطور، تخرج الروح في سكون الليل اللامحدود حيث لا احد، الصمت المطبق في المكان، تدور في المكان حول الأشجار تحت ضوء القمر الفضي، تزور المكان لآخر مرة لتستريح بين الصخور، سقطت نجمة من السماء، لكن نجمة أخرى نمت بقوة في عتمة الليل..
الشاعر العراقي عصمت شاهين الدوسكي من مواليد 1963 دهوك – العراق أكمل دراسته في الموصل دبلوم حاسبات وله ( 8 كتب ( – مجموعة شعرية بعنوان ( وستبقى العيون تسافر ) عام 1989 بغداد .ديوان شعر بعنوان ( بحر الغربة ) بإشراف الأستاذة المغربية وفاء المرابط عام 1999 في القطر المغربي ، طنجة ، مطبعة سيليكي أخوان .كتاب (عيون من الأدب الكردي المعاصر) ، مجموعة مقالات أدبية نقدية ،عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2000 بغداد .كتاب ( نوارس الوفاء ) مجموعة مقالات أدبية نقدية عن روائع الأدب الكردي المعاصر – دار الثقافة والنشر الكردية عام 2002 م . ديوان شعر بعنوان ( حياة في عيون مغتربة ) بإشراف خاص من الأستاذة التونسية هندة العكرمي – مطبعة المتن – الإيداع 782 لسنة 2017 م بغداد .رواية ” الإرهاب ودمار الحدباء ” مطبعة محافظة دهوك ، بإشراف الأستاذ الباحث في الشؤون الشرق أوسطية سردار علي سنجاري ، الإيداع العام في مكتبة البدرخانيين العام 2184 لسنة 2017 م . كتاب نقدي عن ديوان الشاعر إبراهيم يلدا عنوانه ” الرؤيا الإبراهيمية بين الموت والميلاد ” صدر في أمريكا وفي مدينة Des Plaines دسبلين ،،، الينوي،،،، ,في مؤسسة Press Teck .. بريس تيك … 2018 .كتاب عن الأديب الرحال بدل رفو المغترب في النمسا بعنوان ” سندباد القصيدة الكوردية في المهجر ، بدل رفو ” طبع في سوريا ، مطبعة الزمان الدولية 2018 م صدر له كتاب ” إيقاعات وألوان ” عن الأدب والفن المغربي ضم 23 أديبا وفنانا مغربيا صدر في دهوك عام 2023 م وصدر له كتاب ” قهوة على نار ساخنة ” مجموعة مقالات أدبية صدر في دهوك عام 2023 م .
كتب عن الليل ..
” سكن الليل
والنجوم أبصرت وهوت
والأقمار من الحنين أنارت
نبض القلب يناجي طيف يميل
قطرات مطر على نافذة الروح
تارة تصرخ وتارة تنوح
والندى لؤلؤ جميل
يبحث عن جيد غادة
أو قلب من الحب أصبح شهيدا
في ليلة تبجيل وتهليل “
الليل عند الشاعر عصمت شاهين الدوسكي نجوم وأقمار ساطعة…تنير درب طيف الحبيب استجابة لدقات القلب ليطرق نوافذ الروح كقطرات المطر.. فتصرخ الروح وتأن ….. مع هذا جمع الندى لؤلؤا للحبيب، .لكن لا أحدا، ويضيق المكان، ويموت القلب من فرط الوجد والهيام …
كلاهما أعطى لليل صورة عميقة مؤثرة الصورة الشعرية التي تداهم الفكر ويصوره الخيال الخلاق لتجسد معاني الذات النقية
إن الشاعر في هذا الموقف التأملي الجميل ، احتاج إلى قدرة حيوية للإبحار وراء الإشباع ، فهو يفضل دوما اللا محدود ويتمتع بالرؤية الراقية ، بهواجس يحلق بعيدا نحو أفق المعرفة ، وعالم ( الليل ) الذي يضج بالسكون ، فهو مقتنع بوجود حكمة في صمت الليل ، ووجوده الطبيعي بيننا ،يتعطش للأمان والحنان ، والى المستحيل الذي يمده بالخيال والنشاط والإبداع والشغف في معرفة كينونة الأشياء الصامتة ووحدتها مع ( الليل ) وإصراره على التحليق بأجنحة الليل ، لرؤية الطابع الجميل في صمت ، فليس هناك تنافر بين الخلق الشعري الجديد وبين الطبيعة والكون ،إذا لنتحد في حبنا للشعر وتبجيله ما دامت الأشياء مقدسة وجميلة وحيوية ومؤثرة في الشعر .
. وفي وصف الخريف يتجلى الشاعر ايميل برايساخ
“ها هو الخريف يتأوه
في قمم الأشجار
فوق أمواج التلال
تحلق الغربان
شعاع من نور لامع
يقدح من خلال السحب
على غير انتظار
فالصيف يودع
في ثمالة الألوان للأوراق “
يحاول الشاعر ايميل برايساخ ان يقدم الخريف برؤية فلسفية، فخريف العمر يمضي على الإنسان بعد أن بلغ من العمر ما بلغ، من بعيد تحلق الغربان على أمواج التلال …لا تنتظر الموت يا صاح، انظر الضوء من بين السحب وضاح…رغم كل ما مر عليك فأنت هنا تملأ الفضاء صياح…
أما الشاعر عصمت الدوسكي يأخذ الخريف منحنى آخر لكنه في نفس المحراب الخريفي بذاتية الوجود والإحساس المرهف.
” لما رسمت الأحلام بلون الخريف
نسيمه يعيد للزمن زمانا
وصمتي يلهب لظى الأمنيات
وقلبي يكتوي بالجمرات
من يا ترى يطفئ لظانا ..؟
ما اروع هذا الوصف للشاعر عصمت شاهين الدوسكي..فهو رسم أحلامه في خريف العمر بألوان الخريف، تهب مع نسائم الخريف ذكريات، وأشواق، الأمنيات جمرات تلظى بصمت الزمان، فتكوي قلبا تائه من العذابات، فهل تخمد نار الذكريات…
تناغم الوصف الخريفي يجسد توأم الإحساس بالوجود الذي ينطلق من الذات هكذا تظهر المقاربات التناغمات الشعرية في أبهى صورها رغم تباعد الأزمنة والأمكنة بين الشعراء .
المصدر :
مخطوطة جزيرة العشق عن الشعر النمساوي وكتاب حياة في عيون مغتربة للشاعر عصمت شاهين الدوسكي