تهديدات عديدة تعرض الثروة الحيوانية في البادية السورية لخطر الانكماش وسط صمت حكومي،،

تعاني الثروة الحيوانية في سوريا وخصوصاً في البادية، من مشاكل مستعصية تضعها أمام خطر التراجع بشكل كبير، خاصة مع فقدان الحكومة القدرة الاقتصادية لدعم المربين في مناطق نفوذها، إضافةً لاستمرار الأعمال الحربية وفقدان الأمن الذي دفع الكثير من المربين إلى ترك المراعي والهجرة أو التفكير بأعمال أخرى.
في الماضي، كانت الثروة الحيوانية السورية تلعب دورا غاية في الأهمية في الأمن الغذائي للسوريين، كما تلعب دورا اقتصادياُ كبيراً في الدخل وتأمين فرص العمل، إذ تدخل منتجاتها في العديد من الصناعات النسيجية الرائدة، التي انحسرت بسبب الحرب.
تزيد الهجمات في البادية  السورية من مجهولين على العاملين في رعي الأغنام من المخاطر التي تهدد الثروة الحيوانية، حيث ارتفعت وتيرة تلك الهجمات، خاصة في المناطق التي شهدت أخيراً ضربات من تنظيم “داعش” على مواقع وأرتال للنظام.
وتُعَدّ منطقة البادية الممتدة على أرياف حلب وحمص وحماة ودير الزور والرقة، وهي المعروفة بـ”حوض البادية”، من أهم مناطق تربية الثروة الحيوانية في سورية، وعلى رأسها تربية الغنم.
وتضم تلك المنطقة القطعان الأفضل والأكثر جودة في سورية من الأغنام، وكانت المنطقة الأولى لتصدير الأغنام والحليب ومشتقاته إلى عموم سورية والخارج.
وتتعرض المنطقة في هذه الأيام لخطر فقدان هذه الأهمية، مع استمرار فقدان الأمن والخوف المستمر نتيجة الهجمات الأخيرة التي تعرض لها العاملون في رعي الأغنام، حيث إن الهجمات لم تقتصر على قتل العاملين وترويعهم وسرقة قطعانهم، فقط، بل تعدت ذلك إلى قتل المئات من رؤوس الغنم أيضاً.
فقدت سورية جزءاً كبيراً من ثروتها الحيوانية، وذلك يعني بالضرورة خطراً على الأمن الغذائي للمواطن السوري في عموم البلاد، وفقدان الثروة أيضاً يدفع عموم مناطق سورية إلى استيراد اللحوم من الخارج، حسب مراقبين.
وبحسب مصادر محلية فأن خسائر الثروة الحيوانية في سورية بلغت خلال الأعوام العشرة الماضية 50% على مختلف القطعان من الأغنام والبقر والجاموس والماعز أيضاً.
إن أسباب تراجع الثروة الحيوانية في سورية عموماً تعود إلى السرقة والتهريب لدول الجوار وقلة الإنتاجية، متناسياً عدم قدرة النظام على ضبط الأمن وضبط الحدود في المناطق التي يسيطر عليها مع المليشيات الحليفة المدعومة من إيران وروسيا.
وعلى الرغم من أن سورية من البلدان الزراعية التي تحظى بمناخ ملائم للزراعة وتربية المواشي، إلا أنها تعاني اليوم من خطر على مستوى الأمن الغذائي. وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد حذر من أن 12.4 مليون شخص، أي ما يقرب من 60 في المائة من السكان في سورية، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بزيادة بلغت 4.5 ملايين شخص في خلال عام واحد فقط.
أما الآن فقد تراجعت أعداد الثروة الحيوانية في سوريا، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة، من نحو 25 مليون رأس غنم سنوياً قبل 2011، إلى أقل من 10 ملايين.
ويعد الجفاف ونقص المياه أول المشاكل التي تواجهها عملية تربية الحيوانات في البادية السورية، وخاصة قطعان الغنم والماعز والبقر، لكنها ليست الخطر الرئيسي الذي يهدد هذا القطاع.
يعتبر نقص المراعي في هذه الأيام مشكلة كبيرة تواجه تربية الأغنام.
يقول المهندسون إن الرعي هو ما يميز تربية الأغنام في هذه البادية، والاعتماد على الرعي يزيد من جودة اللحوم والألبان ومشتقاتها، ومع ارتفاع أسعار الأعلاف وصعوبة تأمينها أيضاً، فإن الرعي هو الطريقة الأفضل لتغذية الأغنام ومع فقدان الأمن قد يلجأ الكثير من الرعاة إلى بيع قطعانهم وعدم التمكن من الرعي، ما يعني عدم قدرتهم على تغذية القطعان، لأن ثمن الأعلاف مرتفع، وبالتالي يعني عدم قدرتهم على تأمين الأعلاف، كذلك إن انعدام الأمن يدفعهم إلى التفكير بعدم الخروج للرعي خوفاً من القتل أو التعرض للتشليح والسرقة من قبل المجهولين”.

وكانت الهجمات على رعاة الغنم خلال الأشهر الثلاثة الماضية قد ارتفعت وتيرتها، ولا تزال الأسباب وراءها غير واضحة، إذ إن الروايات متعددة عن المهاجمين وطبيعتهم ودوافعهم بين السرقة والانتقام أو توجيه رسائل بين المليشيات المسيطرة التي تختلف جهات دعمها وتمويلها.
تناقل الأهالي هناك عدة روايات، أبرزها أن الهجمات نفذتها المليشيات الإيرانية، وقُتل الرعاة مع غنمهم بدافع الانتقام واتهام الرعاة بالعمل لتنظيم “داعش”، بينما الروايات الأخرى تقول العكس، وإن “د ا ع ش” هو من قتل الرعاة بعد اتهامهم بالعمالة للنظام ومليشياته. فيما تقول رواية ثالثة إن الهجمات تنفذها مجموعات تمتهن السرقة والخطف في المنطقة.
ويتحدث أحد الأهالي من المنطقة قائلاً إن جميع الهجمات على الرعاة وقعت في أماكن يصعب على الرعاة فيها طلب النجدة، مضيفاً: “الراعي يسرح بغنمه لساعات طويلة ويصل إلى مناطق لا يوجد فيها اتصالات، وإضافة إلى خطر الهجمات، هناك مخاطر الألغام والقذائف غير المنفجرة، التي أدت عدة مرات إلى مقتل وجرح عاملين في الرعي.

يقول العاملين في تربية الغنم بإنهم كانوا سابقاً يقومون بنقل الأغنام من منطقة لأخرى بهدف الرعي، لكن اليوم انعدام الأمن واستمرار المعارك في عموم مناطق البادية سببا خسارة واسعة في حجم المراعي، وهناك نقص في الغذاء لا يعوض بالعلف”..
كما أن تركيز الرعي في مناطق محدودة أدى إلى فقر هذه المراعي، وعدم هطول كميات وفيرة من الأمطار والجفاف لا يساهما بشكل جيد في تجددها، وذلك يدفع المربي إلى شراء العلف الغالي، وهناك نقص شديد في العلف المورد من قبل الحكومة، فضلا عن عدم دعم المربي ماديا بشكل جيد.
أن استمرار الغارات الروسية وهجمات اللصوص المجهولين دفع المربين إلى اقتصار رعيهم على المناطق القريبة من مراكز المدن، وهي مراعٍ غير وفيرة بالأعشاب وفيها مشكلة توفير المياه أيضا، بالإضافة إلى أن وجود الألغام وعدم اهتمام الحكومة بتمشيطها كما ينبغي، أديا إلى مقتل وجرح العشرات أثناء عملية الرعي، فضلا عن الهجمات من قبل مجهولين، التي أدت أيضا إلى مقتل عاملين في الرعي ونفوق قطعان بأكملها.
مع ضعف قدرة الحكومة على حماية المراعي وعدم وجود دعم مادي والأزمة الاقتصادية واستمرار المعارك، يرى الكثير من المربين أن الحل الأمثل هو بيع القطعان والهجرة إلى المدن للعمل في مهن أخرى، أو الهجرة من سورية بشكل نهائي لإيجاد مكان أفضل وآمن للعمل والعيش.
يقول أحد مربي الأغنام إنه باع كامل قطيعه من الأغنام والماعز، البالغ عدده قرابة ألف رأس، وترك ناحية مسكنة في ريف حلب الغربي وانتقل إلى مدينة حلب، ثم غادر سورية بشكل نهائي إلى تركيا بعد دفع مبلغ للمهربين.
وأوضح أن سعر العلف تجاوز مليوناً ونصف مليون ليرة لطن الشعير، في حين تجاوز سعر طن التبن نصف مليون ليرة سورية، مضيفا أن كل خروف يحتاج في اليوم الواحد إلى غذاء بقيمة 7 آلاف ليرة على الأقل، أي أنه بحاجة إلى 7 ملايين ليرة كل يوم لإطعام القطيع، لكنه لا يحتاج إلى هذه المبالغ في المراعي الطبيعية.
وأضاف للصحيفة ذاتها، أنه لم يعد هناك مجال للعمل في هذه المهنة، ومن يعمل فيها يواجه خطر الموت هو وأغنامه أو يواجه خطر الخسارة. هناك أسباب كثيرة، منها الأمراض وتأمين الأدوية لها، وذلك تكلفته الاقتصادية باتت كبيرة، كما أن انعدام الأمان بابٌ آخر.
وكانت البادية السورية قد شهدت عدة حوادث أليمة، قتلت فيها عائلات بأكملها كانت تعمل في رعي الأغنام بالبادية في حلب والرقة وحماة.

إعداد : نالين عجو

تحرير : ابراهيم حمو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.