إيران – فريق التحرير
في أعقاب اشتعال الاحتجاجات في إيران و وفاة مهسا أميني، في 16 أيلول 2022، رد النظام الإيراني بعنف مفرط. قتل 530 شخصا واعتقل نحو 20 ألف، بحسب تقديرات مجموعة “نشطاء حقوق الإنسان في إيران”.
في أثناء ذلك، واجه المحتجون، نوعا جديدا من القمع. عطلت سلطات النظام اتصالات الهاتف المحمول والإنترنت ومنعت أو عطّلت الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل، وتجسست على اتصالات وأماكن تواجد المتظاهرين، بحسب خبراء أمن معلومات ومنظمات حقوقية من بينها هيومن رايتس ووتش.
إلى ذلك؛ حصل موقع (إنتر كيبت) الأميركي على تسريبات لوثائق ومراسلات تابعة لشركة الاتصالات الإيرانية (أيان تيل)، وأرسلها بدوره لمختبر (سيتزين لاب)، المختص بأمن المعلومات، التابع لجامعة (تورنتو) بكندا، فكشف التحليل عن قدرات تتبع ومراقبة تمكن النظام الإيراني من تتبع هواتف المحتجين والتحكم فيها.
المختبر ألقى نظرة أكثر عمقا على الوثائق المسربة، واستقصى خطط طهران لتطوير قدراتها من أجل تعزيز رقابتها على مواطنيها، عبر شراء تقنيات مراقبة أجنبية، وكيف حولت التكنولوجيا الصينية شوارع إيران إلى نقاط للرصد والتتبع.
في بداية الاحتجاجات، التي شهدتها محافظات إيران المختلفة، في خريف عام 2022، لم يدرك كثير من المشاركين قدرات النظام في المراقبة والتجسس، اشتكى محتجون من عطل هواتفهم، وبطء سرعة الإنترنت، كما شعر البعض بأنه يجري التنصت على المحادثات الهاتفية، بحسب وصف الناشطة الإيرانية، سارا شريعتي.
لكن الوثائق المسربة، كشفت عن محاولات متقدمة من سلطات النظام الإيراني، لربط الأنشطة التي يقوم فيها المستخدمين على الإنترنت مع هوياتهم الشخصية، وفقاً للباحثة في مختبر سيتزين لاب الكندي، نورا الجيزاوي: “يمكنهم اعتراض الرسائل النصية، أو المكالمات الصوتية، قبل وصولها للمتلقي، أو حتى منعها من الوصول”.
التفاصيل الفنية الواردة في الوثائق المسربة، التي حللها مختبر “سيتزن لاب”، تكشف سعي سلطات النظام الإيراني لإجراء عمليات المراقبة والتحكم في الوصول إلى المعلومات والاتصالات المتنقلة، عن طريق نظام يسمى (سيام) ومعناها النظام المتكامل للاستعلام عن معلومات العملاء.
نظام (سيام) هذا يتيح الكشف عن هوية الأشخاص المشتبه بممارستهم نشاطاً معاديا للسلطات وذلك عبر التحكم في معلومات المستخدمين والسيطرة عليها، بحسب غاري ميلر، خبير أمن المعلومات في مختبر سيتزين لاب.
وبحسب الوثائق التي حصل عليها موقع (إنتر كيبت), فإن (سيام) هو نظام يعمل خلف كواليس الشبكات الهواتف الإيرانية، مما يوفر لمشغليه قائمة واسعة من الأوامر عن بُعد لتغيير وتعطيل ومراقبة كيفية استخدام العملاء لهواتفهم.
ويمكن له أيضا، إبطاء اتصالات البيانات الخاصة، وكسر تشفير المكالمات، وتتبع تحركات الأفراد أو المجموعات الكبيرة، وإنتاج ملخصات بيانات وصفية مفصلة لمن تحدث إلى من، ومتى، وأين. يمكن لمثل هذا النظام أن يساعد النظام في طهران بشكل غير مرئي في قمع الاحتجاجات.
لم تملك إيران، القدرة على إنتاج تكنولوجيا مراقبة محليًا، تتطلب هذه الأدوات المعقدة، فكانت المساعدة الخارجية من حليف لديه خبرة طويلة، مثل الصين التي تفرض أضخم أنظمة الرقابة على الإنترنت وأكثرها فاعلية في العالم، وفق مجلة جامعة كورنيل الأميركية.
يُذكر أن إيران تقع في المرتبة 178 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2022 وتعتبر “غير حرة” في تقرير الحرية على الإنترنت لعام 2022 الصادر عن مؤسسة (فريدوم هاوس) الأميركية، والذي يصف حرية الإنترنت في البلاد بأنها “مقيدة للغاية”.
ولسنوات طويلة، عبر ترسانة من القوانين والهيئات التنظيمية، أضفى النظام في إيران الطابع المؤسسي على الرقابة على الاتصالات من خلال مختلف الهيئات الحكومية التي تفتقر إلى الاستقلالية.