الوشم العربي, ما بين الماضي والحاضر.

خاص وكالة BAZ الإخبارية –


كانت تتميز القبائل العربية إلى جانب الأصالة بالكثير من العادات والتقاليد الخاصة, البسيطة في شكلها والغنية في مضمونها, وتمثل الحب والهيام وعذرية العشق والهوى عند شبابها, والقوة والعزة عند رجالها, فحتى كانت تحمل في طياتها الكثير من الرسائل المباشرة التي يفهمها الأصيلين من العرب ويقرأونها بصمتٍ واحترام, وكانت تمثل ُ من جانبٍ آخر الانتماء القبلي في إشارة لتحديد الهوية والنسب, إنهُ الوشم أو الوسم.
فيرتبط الوشم من منظورٍ خاص بالبيئة الاجتماعية والتاريخية بطقوس دينية وشعائرية تعود إلى التاريخ القديم والحياة البدائية التي تسيطر عليها الأساطير والمعتقدات, فلازالت النساء من اللاتي عاصرنَ زمنٍ معينٍ قبل عقود تظهُر عليهنَّ تلك الوشوم محتفظة بتاريخٍ حافلٍ من القصص والمآثر والحب.
فيكون لكل عشيرةٍ الوشم الخاص بها, والذي يميزها عن بقية العشائر ويرمز إليها, وتستمد هذه الوشوم من البيئة والمعتقدات السائدة, فتتشكل في رسومٍ ترمز إلى الطبيعة في أحد مظاهرها من البنات أو الحيوان لتقديسها او الخوف منها فيكون الوشم رمزاً موسوماً على الاجساد , الوسم من الوسامة أي الجمال, وهو بحد عينه الوشم الذي اتخذته النساء العربيات قديما كمقياس للجمال والزينة واستعضن به عن الحلي , ومن خلال الوشم أيضاً تبرز المرأة أنوثتها وجمالها من خلال نوعيتهِ وطبيعة شكلهِ, وقد كان يمثل عند البعض رقيةً شفائيّة أو طاردٌ للحسد, لذا كان قدماء العرب من الأطباء يضعون وشماً على جزءٍ من جسم المريض كوجهه أو رأسهِ أو ظهرهِ, كما كانت تلجأ الأمهات إلى أطفالهن حتى يزول عنهم الألم أو كوقاية لهم من الأمراض الخطيرة, فيكسبهم الراحة النفسية والطمأنينة مادام الوشم ملازماً لهم, فهو منقوش في أجسادهم وأذهانهم باعتباره تميمتهم وتعويذتهم إلى جانب الزينة والتبرج, فقد كان جزءاً من حياتهم اليومية ويعبر عن بساطة عيشهم,
الوشم وماهيتهُ.
للوشم معتقد عميق ويرمزُ إلى قوة المشاعر العاطفية والعلاقة بين الرجل والمرأة, فيعمد العاشق إلى كتابة اسم الحبيبة على ذراعه أو صدره تعبيراً عن مدى حبهِ, وهو بمثابة تأكيد معنوي على ديمومة حبهِ ما بقي الوشم ظاهراً, وللحديث عن هذا التاريخ العريق التقت وكالة BAZ بالسيدة زهرة محمد وهي من النساء اللاتي واكبن عصر الوشم أو ’’ الدك’’ قديماً حيث قالت: كان الوشم يعتبر مجوهرات الفقير, لكلِ وشمٍ دلالة معينة, فعلى سبيل المثال كان للخطوط على اليد دلالةٌ على حب الفتاة لابن عمها وتعول عليه في خطبتها وزواجها منه, والنقطة التي على أنف الولد تدل على جمالهِ وهكذا أي أن لكلِّ رسمةٍ أو وسمٍ لهُ مدلوله الخاص, وبحسب تعبيرها كان الأمر منتشراً بين أواسط الاجداد والمرأة التي لم تكن موشومة كان يستغرب الناس لأمرها, وكانت المواد المستخدمة في رسم الوشم آنذاك عبارة عن أبر ومسحوق الفحم وخلطهِ بقليل من الماء ومن ثم وخز المناطق المراد رسم الوشم عليها, وكانت تدعى التي تقوم بعملية الوشم, ’’ بالداقوقة’’ وغالباً ما كان الغجر يبدعون في رسم هذهِ الوشوم, ولم يكن الأمر مقتصراً على النساء إذ كان حتى الرجال يقومون بذلك,
الوشم ما بين الماضي والحاضر.
حين تحدثت السيدة زهرة عن مقارنة الوشم القديم, بالرسوم الحالية والتي تسمى بالتاتو, قالت: لم أكن أعي ما معنى كلمة ’’تاتو’’ فالوشم قديماً كان عبارة عن نوعٍ من التقاليد المتجذرة بين القبائل وعادة مرتبطة بالقيم ولها مدلولاتها الخاصة, أما التاتو هو كما رأيت عبارة عن رسوم حديثة وجديدة وغير مفهومة وبرأيي لا تدل على أي شيء فهي فارغة من المضمون والمعنى, وبحسب زهرة محمد كان للوشوم السابقة أسماء معينة مثل: ’’دقة الرديعة ’’وهي على شكل نجمة, وأيضاً ’’الردية ’’والخصر’’ وبراثين الدب’’ والغزال, والرثاميات ,وكثير من الأسماء الأخرى التي ترتبط بحدثٍ معين أو بوصفٍ معين, وكان بعض الرجال يستخدمون الوسم لتعريف العشائر الاخرى بانتمائهم لتلك العشيرة أي من باب التميز, وستبقى هذهِ الوشوم التي أضعها أنا شخصياً مرتبطة بالتاريخ الذي عشته في شبابي, ويذكرني بالحياة الريفية البسيطة بعيداً عن حياة المدن المعقدة بحسب تعبيرها, فنلاحظ هنا الفرق بين البداوة والحضارة, بداوةٌ على الرغم من بساطتها إلا أنها كانت ذات معاني خاصة بها تكسبها النقاء والصفاء, على عكس الحضارة الفارغة التي بدأت تنهش بالأجيال الحالية وتقودها إلى الفراغ والسطحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.