النظام السوري وشبيحته يبيعون ممتلكات المهجرين في مناطق سيطرة النظام 

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى

رغم أن المعارك بين قوات النظام السوري والمعارضة المسلحة أصبحت من الماضي، وانتهت بتمكّن النظام من بسط السيطرة على دمشق وريفها، إلا أن معارك من نوع آخر في مرحلة ما بعد الحرب تدور رحاها بين اللاجئين السوريين في الخارج وبين مزوّري ملكيات العقارات في دمشق وريفها ومناطق أخرى.

ويستفيد المزورون من غياب الملاّك الحقيقيين، ومن طول فترات التقاضي في حال وصلت قضايا التزوير الى المحاكم، فضلاً عن كونهم خبراء في تزوير الوثائق ومعهم محامون وكتّاب عدل، وموظفون وأصحاب مكاتب عقارية، وغالباً ما يكون المستفيدون عناصر وموظفين أمنيين أو لهم صلات أمنية أو ضباطاً وعسكريين، منهم منتسبون إلى قوات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، على ما يكشفه هذا التحقيق الاستقصائي لصحيفة الغارديان البريطانية.

فهؤلاء هم ركائز عمليات التزوير، ولكل واحد منهم دور في العملية، يقول محام سوري يراقب هذه الظاهرة عن كثب.

في آب الماضي، كشف رئيس فرع نقابة المحامين في ريف دمشق، محمد أسامة برهان، في تصريحات صحافية، عن ضبط عدد من المحامين زوّروا الوكالات لبيع العقارات، إضافة إلى تزويرهم الوكالات الشرعية، وخصوصاً لأشخاص يقيمون خارج البلاد. وحول مصير المحامين الذين يقدمون على عمليات التزوير، يشير نقيب المحامين السوريين السابق نزار السكيف، إلى أن عدد المحامين انخفض من 28 ألف محام إلى 25 ألفاً نتيجة فصل عدد كبير منهم لما قاموا به من تصرفات لا تليق بمهنة المحامين من بينها التزوير.

واعترفت وزارة عدل النظام السوري بأن عمليات تزوير ملكيات العقارات قد تحوّلت إلى ظاهرة، وطلبت من الكتاب بالعدل التدقيق أكثر في الوكالات التي ترد إليهم.

عوامل عدة ساهمت في انتشار ظاهرة التزوير لسلب الملكيات، من بينها غياب أصحابها عنها، وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم العقارية، إذ أن توكيل محام يحتاج الى موافقة أمنية، وهذا لن يتحقق لمعارضي النظام السوري، كذلك اتساع نطاق الفساد والمحسوبية، بخاصة في ظل تردي الوضع الاقتصادي الذي أوصل الدخل الشهري للموظف الى أقل من 20 دولاراً .

في دمشق، تعود القضايا التي نجح أصحابها في إيصالها الى المحكمة أملاً باسترداد ملكية بيوتهم، الى الأعوام الممتدة من منتصف آذار 2011 لغاية منتصف 2022، إلا أن وتيرة تزوير الملكيات تصاعدت في العامين الماضيين، إذ سجّل القصر العدلي بدمشق وريفها استقبال أكثر من 125 ضحية تزوير، رفعوا دعاوى بعد اكتشافهم تزوير ملكيات بيوتهم، وهم في الخارج خلال النصف الأول من 2022، بحسب إحصائيات أحد المحامين ، وهو ما يعتبره مؤشراً خطيراً على تنامي نفوذ المزوّرين ومن يقف خلفهم.

ويعزو ذلك إلى سفر أو تهجير أصحاب العقارات أو فقدانهم أو وفاتهم، إضافة الى الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب.

فعمليات التزوير، في غالبيتها، لا تصل الى القضاء، إما لعدم علم أصحابها بما يجري لممتلكاتهم لكونهم خارج البلاد، أو لأنهم لا يستطيعون توكيل محام للدفاع عنهم بسبب عوائق مادية أو أمنية مثل الحصول على الموافقة الأمنية لتوكيل محام أو وفاتهم.

فمن يفقد عقاره بالتزوير ويكون لاجئاً أو نازحاً وليس مطلوباً للنظام السوري لأسباب متعلقة بالثورة أو المعارضة، يضطر فوراً للاستعانة بمحامٍ محلي للبدء بإجراءات استرداده، رغم طول مدة التقاضي التي قد تصل إلى عشر سنوات، أمّا من كان مطلوباً فسيصبح من الصعب عليه استرداد عقاره المسلوب بالتزوير إذا أراد الذهاب الى المحكمة. لأنه ما من محامٍ يتجرأ على العمل معك خوفاً من الاعتقال أو السجن. كما حصل مع 5 عائلات سورية فقدت بيوتها وتقيم في تركيا ولبنان ودول أوروبية مثل السويد وفرنسا.

وكان لظروف الحرب أيضاً دور في انتعاش ظاهرة التزوير بعد فقدان المالكين وثائق إثبات الملكية، إذ ساهم التدمير والعنف في الصراع السوري في فقدان السجلات والوثائق الرسمية المهمة، بما في ذلك سجلات المحاكم وسندات الملكية وغيرها من الوثائق القانونية، فنسبة كبيرة من المساكن هي سكن عشوائي، وبالتالي لا ينطبق واقع الملكية على السجلات العقارية، ما يسهل عملية التزوير والاستيلاء على الممتلكات العقارية.

ويعزز هذا الطرح نتائج مسح شمل أكثر من 10 آلاف نازح، قامت به منظمة اليوم التالي، كان من نتائجه أن ثلث أولئك الذين نزحوا قسراً من منازلهم خلال النزاع فقط، كانت بحوزتهم وثائق تثبت ملكية عقاراتهم، ما دفع المنظمة الى التعاون مع المحامين والمجتمعات المحلية لمسح أكثر من مليوني وثيقة رسمية وثلثها سندات ملكية متعلقة بملكيات اللاجئين والنازحين.

يتزامن هذا مع استمرار النظام السوري باستصدار القوانين المثيرة للجدل المتعلقة بالملكيات، كالقانون رقم 10 الذي يسمح بإقامة مناطق للتطوير العمراني في المناطق التي شهدت تهجيراً للسكان الأصليين كمناطق القابون والغوطة الشرقية لدمشق وغيرها، والقانون رقم 3 لإزالة أنقاض البيوت المدمرة، والتي تحمل في طياتها موجات من انتهاكات حقوق الملكية الموجهة ضد اللاجئين غير القادرين على إثبات ملكيتهم، وفق منظمات حقوقية.

وتعد مناطق جديدة عرطوز ومنطقة الديماس والمزة والغوطة الشرقية مناطق سيطرة ونفوذ لقوات الفرقة الرابعة، عبر لجنة أمنية تقودها أعلى رتبة عسكرية أو أمنية في المنطقة.

عائلات سورية قابلها فريق التحقيق، كشفت عن تورط ضباط وعناصر في ميليشيات يعملون لصالح الفرقة الرابعة، زوّروا ملكيات بيوتها وسجّلوها بأسمائهم. كحال أبو حسان 59 عام، الذي فقد ملكية منزله 140 متراً مربعاً في منطقة جديدة الوادي، وهي بلدة سورية تبعد من مركز مدينة دمشق 15 كم، وهي أحد مصايف وأماكن التنزه والسياحة في ريف دمشق المشهورة.

كان الرجل يملك معمل مفروشات واشترى منزلاً عام 2010 ودفع ثمنه بالكامل 100 ألف دولار أميركي، من خلال عقد بيع وشراء لم يثبت في الطابو في محاكم ريف دمشق العقارية.

وانتقل للعيش في المنزل وبقي فيه حتى العام 2012، إلا أنه وبسبب المعارك والقصف الذي شهدته المنطقة، لجأ مع عائلته إلى إسطنبول في تركيا في 2014. يقول: بعد شراء المنزل من الورثة، لم أتمكن من تثبيته في السجل العقاري، لذلك لا أملك ورقة تمليك طابو أخضر. تمت عملية الشراء بعقد بيع قطعي. ثم أجّرتُ المنزل لمدة ثلاث سنوات لعائلة، إلا أنني اكتشفت حديثاً أن من يسكن المنزل ضابط في الفرقة الرابعة برتبة رائد وينحدر من مدينة حمص، وقد تم ذلك من دون موافقتي ومن دون علمي بكيفية دخوله المنزل وسكنه.

ويضيف: هدد الضابط الشخص الذي باعني المنزل بقوة السلاح، وأجبره على تسجيل منزلي باسمه وفراغ المحضر كاملاً”.

وتُظهر محاضر دعاوى لاسترداد ملكيات بيوت اطلع عليها فريق التحقيق، تفاصيل عمليات التزوير والطرق المتبعة، سواء من خلال استخدام أختام مزورة للكاتب بالعدل أو من خلال تزوير بيانات الهوية الشخصية، حيث تقوم شبكات التزوير بتزوير هوية أو سند إقامة يحمل معلومات صاحب العقار المستهدف، ومن ثم نقل الملكية.

بهذه الطريقة، تمكّنت شبكة مزوّرين في منطقة صحنايا بريف دمشق من بيع عقار العام 2015 لشخص آخر، مستغلة غياب المالك الأصلي خارج سوريا، وبعد استصدار سند إقامة مزوّر باسمها، بحسب أوراق الدعوى القضائية.

ويؤكد المحامي حوشان أن عمليات التزوير في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، تتم من خلال أصحاب النفوذ والسطوة العسكرية والأمنية، وأنه تم الكشف عن أكثر من 20 شبكة في حماة وحلب ودمشق واللاذقية، تتراوح أعداد كل شبكة ما بين 40 إلى 50 شخصاً.

وقد تواصل فريق التحقيق مع وزارة العدل النظام السوري للحصول على حق الرد، لكنهم لم يردوا على الاستفسارات الموجّهة إليهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.