سوريا – فريق التحرير
في عصور الجاهلية كانت الأنثى تؤد ولا تعطى حتى حق الحياة مثلها مثل الرجل بينما الأديان السماوية التي بينت حقوق المرأة ومن جملة الحقوق هو حق الميراث.
فإن قضية الإرث وتوريث ما يتركه المتوفى لمن بعده من أموال وأملاك وأراض وعقارات وغيرها هي من أقدم القضايا التي تتعلق بالعادات والتقاليد والسنن المتوارثة في حياة المجتمعات الإنسانية، ولقد كانت معظم الحضارات القديمة – هنديةً أو صينية أو فارسية أو يونانية أو رومانية أو عربيةً جاهلية وغيرها – تخص بالإرث الرجال الأقوياء الذين يقاتلون ويدافعون عن الأرض ويحمون أهل العشيرة من الأعداء؛ لذا توارثت هذه الحضارات هذه العادة السيئة في حرمان النساء والضعفاء والذكور الصغار الذين لا يشاركون في المعارك لصغر سنهم.
وبناءً على هذا الاعتقاد حرموا المرأة من الإرث؛ بسبب عجزها عن المشاركة في الدفاع عن القبيلة كما هو حال الرَجل، ومن جهة أخرى كان سبب حرمانها من الإرث خشية انتقال المال – بزواج البنت – من بيت أبيها وأخيها وابنها إلى بيت زوجها .
العادات الجاهلية وظلم المرأة وتواصل ظلم المرأة في قضية الإرث حتى وصل إلى العرب في الجاهلية قبل الإسلام فكانوا يتوارثون أموالهم بالوصة لعظماء القبائل ومَنْ تجمعهم بهم صلات الحِلْف ، ومَنْ لم يوصِ تُصرف أمواله لأبنائه الذُّكور دون الإناث ؛ لأنَّ فلسفة الإرث لديهم قائمة على إعطاء المال لمن طاعن بالرمح، وضرب بالسيف.
وأما الزَوجات فَكُنَّ موروثات لا وارثات؛ لأنَّ الزَّوجة لا تُدافع عن القبيلة، ولا تغزو، ولا تَحوز الغنائم من جهة، ومن جهة أخرى أنَّ المال الذي سترثه سيذهب إلى الرَّجل الغريب الذي ستتزوَّجه؛ لذا كانوا يَحْرِمونها من الميراث ومن سائر الحقوق الماليَّة؛ كالمهر والوصيَّة، ونحوِهما .
ولقد ندَّد القرآن الكريم بهذا الظُلم الواقع على المرأة في قضية إرثها أو كونها متاعاً يوَرَّث، بل وقطع بصريح العبارة بحرمته، فردَّ بذلك إلى المرأة كرامتها، ومن ذلك:
1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾
أوَّل ميراث للمرأة في الإسلام , ظلَّت المرأة محرومةً من الميراث دهوراً متعاقبة حتى جاء الإسلام وقَلَب مقاييس الحياة رأساً على عقب، فكسر الطَّوق المألوف، وفَكَّ عن المرأة حصار الحرمات، وأقرَّ حَقَّها بالإرث من والديها ومن أقاربها، فأصبح الإرث نظاماً اجتماعيّاً تشريعيّاً بقرارٍ إلهي، يشترك فيه الذُّكور والإناث، والضُّعفاء والأقوياء، والكبار والصِّغار [، ونزلت أوَّلُ آيةٍ تُبيِّن أنَّ للنِّساء نصيباً في الميراث، وهي قوله تعالى: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾
فبيَّن سبحانه مِقدارَ نصيبِ الأُمِّ، في قوله تعالى: ﴿ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾ [النساء: 11]
وهكذا أعطى الإسلام للمرأة الحقَّ في الميراث، مراعياً حالها من حيث كونها: أمّاً، أو زوجةً، أو بنتاً، أو أختاً، وفصَّل ذلك في قرآنٍ عظيمٍ يُتلى إلى يوم القيامة؛ ليكون شاهداً على أنَّ الإسلام دين يُعلي من شأن المرأة ويحفظ لها كرامتها، ويحتفي بها أيَّما احتفاء، وليكون مسجِّلاً لنفسه سبقاً في هذا المضمار على جميع الشَّرائع والقوانين الوضعيَّة، التي ما زالت تتَّهم الإسلامَ بسوء المعاملة للمرأة، متناسين فضله وسبقه عليهم جميعاً، وغير مدركين أنَّه تشريعٌ إلهي صادر ممَّن يُؤتِي فضله مَنْ يشاء، وهو ذو الفضل العظيم.
أهل العلم بينو وأبانوا عن حكمة التَّنصيف كالنَّووي رحمه الله حينما قال: (حكْمَتُه أنَّ الرِّجال تلحقهم مُؤن كثيرة في القيام على العيال، والضيِّفان، والأرقَّاء والقاصدين، ومواساة السَّائلين، وتحمُّل الغرامات وغير ذلك).
وايضاً للتنظيمات الاجتماعية اليوم دور بارز في توعية المجتمع كي يتخلص من هذا الإرث الجاهلي والإحتكام للشرع والدستور السماوي الذي انصف المرأة ولم يهضم حقها في الإرث والميراث فهناك على سبيل المثال منظمة “تاء مربوطة” وجمعية “نوجين” ومركز “سمارت” الذين لا يدخرون جهداً في مناصرة حق المرأة في الميراث مستخدمين أدواتٍ عديدة كوسائل إعلامية وإعلانية وتوعوية عبر توزيع منشوراتٍ واعلاناتٍ طرقية وعقد جلسات حوارية لبحث اليات اثبات حق المرأة في الميراث على مبادئ العدل والمساواة.
وفي خلاصة القول انه بات من الضروري اليوم التَّنبيه على أمرٍ مهم، وهو النَّظر إلى الشَّريعة الإسلاميَّة وأحكامها بصورةٍ كليَّة شاملة فلا يجوز النَّظر إلى مقطع دون مقطع أو حكم دون حكم فالأحكام متداخلة ومتشابكة ومُرَتَّب بعضها على بعض، وهذه النَّظرة التَّجزيئيَّة إلى الشَّريعة هي التي قد تُثير بعض الشُّبَه لدى ضعاف النُّفوس، بينما جاءت الشَّريعة لتحقيق أهدافٍ ومقاصدَ كليَّة لصلاح الفرد والمجتمع، فجاءت شاملةً لكلِّ أحوالهما، مراعيةً لكلِّ ما قد يطرأ عليهما، وللظُّروف والأحوال الخاصَّة بكلٍّ منهما، وهنا تتجلَّى عظمة الشَّريعة الإسلاميَّة في كونها قد استوعبت جميع الأفراد، وراعت ظروفهم والفوارق بينهم في جميع أطوار حياتهم، ليس في مسألة الميراث فحسب، بل في كلِّ ما يخصُّهم من أحكام لتصل المرأة الى حقوقها المنوطة بها وتنتزع من خلال هذه الأحكام كل ما يمنحها الحياة الحرة الكريمة القائمة على العدل والمساواة.
تم إنجاز هذه المادة بالتعاون مع..
تحالف منظمات مشروع حق المرأة في الميراث ( منظمة تاء مربوطة – جمعية نوجين – مركز سمارت ) بدعم من المركز المجتمعي في القامشلي