الصورة التي تلخص واقع الشبه بين عائلة روشفيلد وآل الأسد

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى 

منذ غابر الأزمان ونحن نسمع كثيراً من الأساطير ونظريات المؤامرة عن عائلة روتشيلد،أ نها عائلة يهودية أوروبية لديها بنك تتحكم بالشؤون العالمية. تَعود جذور هذه الأسطورة إلى الأفكار المعادية لليهود، واستُعمِلت طيلة الزمن الماضي بغرض ترويج أشكال مختلفة من الكراهية والعداء. وشاعت هذه القصة المتخيّلة في العالم على نطاق واسع، كما وصلت إلى عائلة الأسد وإيران مُصطبغةً بصبغة محلية. ولا تزال الألسن تَلُوك نظريةَ المؤامرة في حين لا أساس لها تَقوم عليه.

نظريات المؤامرة هي حكايات كاذبة تَـختزل القضايا والوقائع المعقدة في مكائد ذوي السلطة وأصحاب النفوذ، وتُقدِّم حكاية بسيطة وسطحية لتلك الوقائع المعقدة. وتَزعم هذه النظريات أن جماعة مشبوهة وذاتَ نفوذ تؤثر في سريان الأمور،  وتُغير بعض الوقائع المهمة في العالم أو كلَّها على هواها، وتتحكم بجميع ما يجري في الدنيا، ويتم الترويج لهذه النظريات بإحدى طريقتين:

من الأعلى إلى الأسفل: من السياسيين والقادة الدينيين والشخصيات الإعلامية بغرض اتهام مجموعة خاصة بخلق المشكلات وزيادة محبوبيتها.

من الأسفل إلى الأعلى: من الأشخاص المعتزلين والمضطربين واليائسين الذين يَشعرون أنهم فقدوا قدرتهم على العمل.

وأحياناً تُروَّج هاتان النظريتان على المستويين وبالتزامن مع بعضهما. وقد وفَّرت منصات التواصل الاجتماعي إمكانيةَ شيوع نظريات المؤامرة أسرع وأوسع من السابق.

نظريات المؤامرة لافتة للانتباه التي أطلقها النظام السوري في بداية الثورة السورية ، لأنها في ظاهرها تَمنح معنًى لعالمنا الفوضوي. وعادةً ما تنمو في مرحلة الشك والارتياب، في مرحلةٍ تكون فيها حياتنا متأثرة بأحداثٍ إما أننا نجهل عنها كل شيء أو لا نفهمها على الوجه الصحيح، على سبيل المثال: في خضم الأزمات الاقتصادية، وفي التحولات الاقتصادية المباغتة، والحروب، والثورات، والتغيرات السياسية، أو حتى في زمن الأمراض الـمُعْدية فإن نظريات المؤامرة تؤمِّن حاجتنا النفسية إلى الأمن والاستقرار، ذلك لأنها من خلال إيضاحات سطحية تَخلق فينا القدرة على أخذ زمام الأمور بأيدينا، فهي تَغدو مادة للطمأنينة في عالم مُروِّع. من هاهنا وتأسيساً على نظريات المؤامرة، تَكون هناك حلول في غاية البساطة لمشكلات عويصة ومنهكة: ثمة مَن يتسببون في الخفاء بالمشكلات ويَخلقونها، والتخلص من شرور هؤلاء تخلصٌ من شرور المشكلات.

يَحد النظام السوري من الوصول إلى المعلومات، ويَفرض عليها قيوداً صارمة، ويَستثمر نظرياتِ المؤامرة في تفسير هذه المعلومات كما يَشتهي هو لا كما هو الواقع. ومن حق السوريين وغيرهم الاطلاعُ على معلومات دقيقة وموثوقة عـمّا يجري في الكون. والذين تُحرِف نظرياتُ المؤامرة أحكامَهم وآراءهم لا يتسنى لهم فهْمُ السبب الحقيقي لمشاكل مجتمعهم وتحدياته، ولهذا السبب ليس لديهم أمل كبير في مواجهتها، والبحث لها عن حلول، والتغلب عليها.

في الفضاء السوري العام بعد سيطرة عائلة الأسد على السلطة، أمست نظريات المؤامرة على نحو رئيسي أداةً في تسويغ قمع الأقليات الدينية وإلحاق الأذى بها. وفي اللحظات الحاسمة، يُخيف النظامُ الحاكم الشعبَ السوري من التهديدات والأجانب والأعداء المجهولين، ويطالبهم بالاتحاد، ويبحث عن ذريعة يَعتبرها السبب الكامن وراء المشكلات.

وهذه المقاربة تُسيء إلى المجتمع السوري كله كما تُسيء إلى الأقليات، لأنها لا تَسمح لهم بتفعيل إمكانياتهم وتحقيق رغباتهم، على سبيل المثال: هناك نظريات مؤامرة كثيرة في سوريا تَعتبر أتباع المذهب السنّي داعمين للوهّابيين، ولذلك تُهاجمهم وسائلُ إعلام النظام في حملاتها ضد الوهابية. وفي هذا السياق، يتم الترويج لمقولات خاطئة كثيرة حول أن الوهابيين يَسعَون إلى القضاء على الأقليات الدينية، وأنهم يبدؤون بتفعيل نفوذهم بدءاً من مرحلة الروضة لاستقطاب الأطفال إلى نظريتهم، أو يقولون إن أميركا وبريطانيا تَدعمان الوهابيين لزيادة عددهم بين السنة السوريين وتقليص أعداد بقية العقائد.

فاعتبار جميع السنّة وهابيين والهجومَ عليهم يتسبب في ألا يتطور السوريون السنّة، الأمر الذي يُسيء إلى الوطن في نهاية الأمر لأنها تُحرم من استثمار مواهب وإمكانيات مواطنيها السنّة.

ويمكن لنظريات المؤامرة أن تنتهي بأشكال متنوعة وفي أبعاد مختلفة إلى العنف. وهذه النظريات تُسيء إلى الحقيقة من خلال إشاعة الكذب وسوء الفهم، وتتسبّب في الريبة في الأقليات، والكراهية تجاهها من خلال التفريق بين المجموعات المختلفة، وتثير العنف الجسدي من خلال تقديم حلٍ يَقوم على تصفية مسبِّبـي المشكلات وخالقيها. إنها قضية في غاية الحساسية.

وهذه النظرية استطاع حافظ الأسد منذ أن انقلب على أصدقائه أن يغرسها في نفوس الكثير من السوريين، ليحول الكثير من مسؤولي نظامه إلى دواب يسهل قيادتها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.