/ BAZNEWS / سوريا .
شهد المشهد السوري تحولات غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، مع صعود أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، من شخصية مثيرة للجدل إلى لاعب رئيسي يسعى لتقديم نفسه كزعيم قادر على إسقاط نظام بشار الأسد. هذا التحول لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة سلسلة من التغيرات الميدانية، السياسية، وحتى الشخصية التي جعلته محط أنظار الداخل والخارج.
التحول الميداني: قيادة معارك دقيقة وحسابات استراتيجية
تمكن الجولاني من قيادة غرفة عمليات “ردع العدوان” إلى تحقيق تقدم عسكري غير متوقع ضد النظام السوري. اعتمدت المعارك على تكتيكات مبتكرة مكّنت الفصائل المقاتلة من تشتيت قوات النظام والسيطرة على مساحات واسعة دون التسبب بمجازر في المدن الكبرى، عبر فتح ممرات آمنة لانسحاب عناصر النظام.
كما تميزت هذه العملية بانضباط كبير بين القوات المقاتلة، بما في ذلك فصائل من “الجيش الوطني السوري”، الذي كان سابقًا خصمًا لهيئة تحرير الشام. هذا الأداء الميداني أثار إعجاب الكثيرين داخل وخارج سوريا، ونجح في استعادة الثقة الشعبية بجولاني، ولو بشكل مؤقت.
الرسائل السياسية: تصالح مع الداخل والخارج
على الصعيد السياسي، أطلق الجولاني خطابًا متوازنًا موجّهًا إلى القوى الإقليمية والدولية، بما فيها تلك الداعمة للنظام، مثل العراق. كما حاول تهدئة المخاوف الشعبية عبر رسائل تطمين للأقليات وجميع مكونات الشعب السوري.
في خطوة رمزية لتغيير صورته، ظهر الجولاني في لقاءات إعلامية بملابس مدنية وشعر ولحية معتدلة، متخليًا عن لقبه المعروف ومتحدثًا باسمه الحقيقي أحمد الشرع. أراد من ذلك التأكيد على أنه لم يعد ذلك الزعيم المتشدد المصنف على قوائم الإرهاب، بل بات شخصية سياسية تسعى لتخليص السوريين من الاستبداد وإقامة دولة مؤسسات.
السيرة الذاتية: من الرياض إلى إدلب
وُلد أحمد حسين الشرع، المعروف بأبو محمد الجولاني، عام 1982 في الرياض، المملكة العربية السعودية، لعائلة متعلمة. عاد مع أسرته إلى دمشق عام 1989 حيث أكمل دراسته قبل أن يترك الجامعة ويلتحق بالتنظيمات المتشددة في العراق عام 2003. هناك، انضم إلى “سرايا المجاهدين” وبايع أبو مصعب الزرقاوي، ليُسجن لاحقًا من 2004 إلى 2010 في معسكر بوكا.
مع اندلاع الثورة السورية في 2011، انتقل الجولاني إلى إدلب لتأسيس “جبهة النصرة” كفرع لتنظيم داعش، لكنه انفصل لاحقًا عن أبو بكر البغدادي وشكّل مسارًا خاصًا به مع الاحتفاظ بارتباطه بتنظيم القاعدة حتى عام 2016، حين فك الارتباط رسميًا وأعاد تسمية التنظيم إلى “جبهة فتح الشام”، ثم هيئة تحرير الشام لاحقًا.
الهيمنة على إدلب: من التشدد إلى البراغماتية
بعد التدخل الروسي لصالح النظام السوري وتراجع فصائل المعارضة، عمد الجولاني إلى ترسيخ سيطرته على إدلب عبر إقصاء الفصائل الأخرى واحدة تلو الأخرى، مستخدمًا مزيجًا من الشيطنة العسكرية والإعلامية. أسس لاحقًا حكومة مدنية تحت اسم “حكومة الإنقاذ” لإدارة المنطقة.
بدأ الجولاني بتبني سياسات أقل تشددًا، مثل إلغاء لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنح الحريات الاجتماعية نسبيًا. كما استغل الإعلام الغربي ليعيد تقديم نفسه كزعيم متفتح ومتوافق مع متطلبات المرحلة، حتى أنه ظهر في مقابلات متلفزة بملابس عصرية، في تحول كامل عن صورته السابقة.
القضاء على المنافسين وتعزيز الهيمنة
لم يتردد الجولاني في تصفية الفصائل والجماعات الأكثر تشددًا، مثل تنظيم حراس الدين وجند الأقصى، وحتى منافسيه داخل هيئة تحرير الشام، مثل أبو ماريا القحطاني. تشير تقارير إلى تورطه في تقديم إحداثيات ساعدت على استهداف قادة متشددين، بمن فيهم زعيم داعش أبو بكر البغدادي.
تحديات المرحلة الجديدة
رغم التحولات الكبيرة التي قادها الجولاني، لا تزال الشكوك تحيط بخططه المستقبلية، خاصة في ظل استمرار ملاحقة منتقديه وفرض الضرائب والإتاوات في مناطق سيطرته. ورغم محاولاته كسب ود المجتمع الدولي عبر الترويج لشعار الثورة السورية، إلا أن الكثيرين يرون في تحركاته الأخيرة حملة علاقات عامة أكثر من كونها تغيرًا جوهريًا.
وبينما نجح الجولاني في إعادة تقديم نفسه كقائد براغماتي يهدف إلى إسقاط نظام الأسد، لا يزال يُنظر إليه من قبل الغرب والعرب بحذر شديد. التغيرات الكبيرة التي طرأت على أساليبه وشخصيته تثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وما إذا كانت هذه التحولات تكتيكًا مرحليًا أم تحولًا استراتيجيًا. يبقى المستقبل وحده كفيلًا بالكشف عن الدور الذي سيلعبه أحمد الشرع في سوريا ما بعد الأسد.
M. Alhussein رئيس التحرير