مع توسع مدينة دمشق مطلع القرن العشرين وتمركز الثقل الاقتصادي في الجانب الحديث منها أخذ بعض سكان المنازل الدمشقية القديمة بالانتقال إلى الجانب الأكثر حداثة في وقت تعاظمت فيه هجرتهم مع بداية الثورة السورية في البلاد.
وعلى الرغم من تحول معظم تلك البيوت اليوم إلى مطاعم أو مقاه أو فنادق أو مستودعات أو منازل مهجورة وتعرض معالمها الأثرية للأضرار نتيجة لتلك التحولات فإنها لا تزال تحافظ على عراقتها وبعض معالمها الساحرة.
فقد شكلت باحات القصور والمنازل الدمشقية الرحبة وأشجارها الوارفة وقاعات استقبالها الوسيعة وبلاطها الرخامي وغيرها من العناصر المعمارية عامل دهشة ومحط تقدير بالغ للكثير من السياح الذين زاروا دمشق
فإن كل بيت دمشقي هو جنة قائمة بحد ذاتها إنه قصر خيالي كما في الأحلام فالمنظر يشبه قصيدة شعر ملحنة للغناء إن مثل هذه الديار تبعث في المخيلة حكايات ألف ليلة وليلة.
وفي جانب من جوانبه يلخص إذ صمد بعضها لمئات الأعوام على الرغم من كل ما شهدته المدينة من زلازل وحرائق وغزوات فكانت البيوت بعد كل كارثة تبنى وترمم من جديد لتعود بهذا دمشق إلى بهائها المعهود
وكثيرا ما انتقلت ملكية هذه البيوت من عائلة إلى أخرى نتيجة للحروب والتحولات السياسية التي شهدتها المدينة فقطنها الأثرياء ومشايخ الدين والعسكر والساسة والقادة والولاة والحكام مثل قصر العظم الذي لا يزال قائما حتى اليوم منذ أن بناه والي دمشق أسعد علي باشا العظم بين عامي ١٧٤٩ و ١٧٥٠ وعاش فيه قرابة العقدين.
وقد تحول القصر اليوم إلى متحف للفنون والتقاليد الشعبية مفتوح لاستقبال جميع الزوار بباحاته الداخلية الضخمة وغرفه الفسيحة التي كانت تقسم إلى التقسيمات المعمارية العثمانية التقليدية: فغرفة الحرملك التي تخصص لنساء القصر وغرفة الخدملك المخصصة للعاملين في القصر وقسم السلملك المخصص للزوار.
ولأن المجتمع الدمشقي القديم لم يعرف التمييز الطبقي فقد كان الأغنياء يعيشون إلى جانب الفقراء في بيوت متلاصقة كما أنه لم يعرف التمييز على أساس الدين والعقيدة فعاش في الجزء القديم من المدينة اليهود والمسلمون والمسيحيون في أحياء متقاربة.
ومن أهم البيوت المسيحية القائمة حتى اليوم بيت شامية الذي كان ملكا من أملاك عائلة التاجر المسيحي الدمشقي أنطون شامي وقد تعرض المنزل للتخريب ثم أعيد بناؤه عام ١٨٦٣ ثم تحول اليوم إلى دير ومكان للتعبد.
كما أن أقدم البيوت الموجودة في دمشق اليوم تعود في تاريخ بنائها إلى القرن الـ ١٨ فقط حيث كان في دمشق قبل ذلك صروح عظيمة اشتهرت في زمنها لكنها اندثرت اليوم كقصر الباريس الذي بني في العهد البيزنطي وكان يقدم لجميع زواره الماء والقصر الأخضر الذي بناه الأمويون قرب الجامع الأموي وقصر الذهب الذي بناه المماليك.
عبر دهاليز ضيقة يصل زائر البيت الدمشقي مباشرة إلى باحة الدار حيث الشمس تنثر أشعتها وفي كل الجهات أشجار وارفة وزهور مبتسمة وقد يتألف البيت من باحة واحدة تتشاطرها عائلة كاملة أو من باحتين: خارجية تسمى السلاملك وهي لاستقبال الضيوف وداخلية تدعى الحرملك وهي لأهل الدار والنساء أما إذا كان المنزل كبيرا فقد يضم ٣ أو ٤ باحات.
وقد تكون باحات البيوت الدمشقية فسيحة أو صغيرة وفي كلتا الحالتين يكون الغرض منها تلطيف الجو في أيام الصيف الحارة ويمكننا أن نجد في كل باحة قدرا يحتوي على نبات الريحان وهو النبات المفضل لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى جانب الأشجار التقليدية التي تزرع دائما كالكباد والليمون والنارنج والعنب الذي تمنح أوراقه الممتدة حتى الأسطح ظلا وارفا للساكن ولاتزال شجرة الياسمين والنارنج تزين أغلب البيوت الدمشقية ولاتزال تنبض بالحياة على الرغم مما حل بسوريا من قصف وتدمير على يد النظام السوري الذي لازال يحاول إفساد ماتبقى من نكهة دمشق الأمويين.