الإدارة الأمريكية غير مبالية من التقارب بين أنقرة ودمشق

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، تبرز العلاقات بين تركيا وسوريا كواحدة من القضايا الأكثر تعقيداً وتشابكاً. منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، شهدت العلاقات بين البلدين تدهوراً كبيراً، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، بدأت تظهر بوادر تقارب بين أنقرة ودمشق، وسط وساطة عراقية وجهود دبلوماسية مكثفة.

في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل هذا التقارب المحتمل، ونحلل العوامل المؤثرة فيه، بدءاً من المصالح المشتركة والتحديات التي تواجهها الدولتان، وصولاً إلى التوقعات المستقبلية للعلاقات بين تركيا وسوريا. سنلقي الضوء على المواقف المختلفة للأطراف المعنية، ونستعرض آراء الخبراء والمحللين حول فرص نجاح هذه الجهود الدبلوماسية.

في تقرير نشره موقع “ميديل إيست آي”، أكد مسؤولان أمريكيان سابقان ومسؤول عربي أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن “غير مبالية” بعملية التقارب بين أنقرة ودمشق. وأوضح الموقع أن المسؤولين الأمريكيين أبدوا اهتماماً لفظياً بالموضوع خلال اجتماعهم مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في واشنطن مؤخراً.

موقف بغداد وواشنطن

أوضح المسؤول العربي أن بغداد أبلغت واشنطن قبل البدء بعملية الوساطة بين تركيا وسوريا، وأنه يعمل على اتفاق مصالحة، إلا أن واشنطن كانت غير مبالية. في السياق، أكد السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، أن العواقب طويلة المدى بين دمشق وأنقرة واضحة، مشيراً إلى أن الأسد ضعيف للغاية، ولا يستطيع فعل الكثير ضد الأمريكيين، لكن من السهل أن نتخيل أن سوريا وتركيا، بالعمل معاً، يمكنهما الضغط على قوات “قسد” الكردية.

وساطة العراق وأهداف طهران

اعتبر فورد أنه من المستحيل فصل وساطة العراق بين أنقرة ودمشق عن هدف طهران المتمثل في إخراج القوات الأمريكية من سوريا. من جهة أخرى، قال الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، إن أنقرة بحاجة للتطبيع مع حكومة دمشق لأنها الحكومة المعترف بها في سوريا، وهي بحاجة لهذا الغطاء لتجديد أو تعديل اتفاق أضنة وتوسيع الإطار الجغرافي من 5 إلى 40 كيلومتراً.

حاجة أنقرة للتطبيع

أشار القربي إلى أن حاجة أنقرة من التطبيع مع دمشق تدور حول ملف اللاجئين والإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا. وأضاف أن هناك حاجة تركية تتعلق بمحاربة قوات “قسد” في حال الانسحاب الأمريكي، معتبراً أن أنقرة تخشى من حالة فراغ قد تملؤها قوات دمشق أو القوات الروسية، وفق موقع “القدس العربي”.

تأثير الانتخابات الأمريكية

توقع القربي أن تنتظر أنقرة ودمشق الانتخابات الأمريكية، ففي حال وصل دونالد ترامب فسيتخذ موقفاً متشدداً من دمشق، وبالتالي يتراجع التطبيع. بدوره، رأى مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد” محمد سالم، أن أنقرة تحتاج دمشق لأمرين: الأول يتعلق بأمنها القومي للتنسيق ضد “قسد”، ومصادقة دمشق لوجودها ليصبح وجودها قانونياً، والثاني التنسيق لإعادة اللاجئين.

موقف الكاتب نصوحي جونجور

قال الكاتب والصحافي التركي نصوحي جونجور، إن توقع خريطة طريق مشتركة ستعمل على الفور في حال لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره بشار الأسد “نهج مبالغ فيه”، معتبراً أن أنقرة لن تتأثر في حال أقيم اللقاء أم لا. وأضاف في مقال نشرته صحيفة “خبر تورك”: “إذا لم يكن هناك لقاء فهذه ليست نهاية العالم”.

انتقادات جونجور

انتقد جونجور بعض الأطراف في بلاده التي تحاول تحميل أنقرة مسؤولية تدهور العلاقات مع دمشق، بهدف إجبار تركيا على قبول جميع مطالب دمشق لتطبيع العلاقات. وأشار إلى أن شركاء دمشق لا يسعون إلى حماية سوريا، ولكن مصالحهم تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط، بينما تكافح تركيا في مشاكل الإرهاب والهجرة.

موقف دمشق

أكد جونجور أن دمشق ليس لديها حساسية حقيقية تجاه وحدة أراضي البلاد، وتهدف إلى تعزيز نظام الأقلية من خلال إجبار الآخرين على الهجرة. واستبعد انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية قبل إزالة التهديدات التي تستهدف أمنها وأراضيها.

توقعات آرون لوند

رجح الخبير في الشؤون السورية آرون لوند أن تحصل محادثات سورية-تركية في وقت قريب، مشيراً إلى وجود عقبات “جدية” تحول دون نجاحها. واستبعد لوند توصل دمشق وأنقرة إلى مرحلة التطبيع الكامل على المدى القريب، قائلاً إن الطرفين “قد يجدان مشكلات ذات مستوى أدنى للتعاون بشأنها”.

موقف تركيا

رأى لوند أن تركيا ترغب في الانتقال بسرعة إلى الاجتماعات رفيعة المستوى، فيما ترغب حكومة دمشق في المقابل الحصول على ضمانات معينة قبل أي لقاء بين أردوغان والأسد، وفق “الحرة”. من جهته، أكد الباحث في الشأن التركي محمود علوش أن تركيا كانت واضحة في بحث آلية الانسحاب من سوريا بمجرد الوصول لتطبيع يضمن لها تحقيق الأهداف المحددة من جانبها.

هامش الدبلوماسية

قال علوش إن الموقف التركي خلق هامشاً إضافياً من الدبلوماسية مع دمشق، من أجل التوصل لتفاهمات لإعادة تصميم العلاقات مع سوريا، ولاسيما الجانب الأمني.

 

العلاقة بين تركيا وسوريا معقدة ومتعددة الأبعاد، وقد شهدت تحولات كبيرة على مر السنين. إليك نظرة عامة على الوضع الحالي:

تاريخ العلاقات قبل الأزمة السورية**:

كانت العلاقات بين تركيا وسوريا جيدة نسبياً، حيث شهدت فترة من التعاون الاقتصادي والسياسي.
– **بعد 2011**: تدهورت العلاقات بشكل كبير بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حيث دعمت تركيا المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد.

-المصالح المشتركة**:

تركيا وسوريا تواجهان تحديات مشتركة مثل قضية اللاجئين السوريين في تركيا، ووجود القوات الكردية في شمال سوريا، والتي تعتبرها تركيا تهديداً لأمنها القومي³.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.