عندما زار النعمان بن المنذر كسرى فوجد عنده وفوداً من الروم والهند والصين وقد افتخر كل وفد بمآثر أمته ولما افتخر النعمان بمفاخر العرب أنكر كسرى على العرب أن يكون لهم مجد ووصفهم بأنهم وحوش تقيم في القفر وحينئذ اقترح عليه النعمان أن يستدعي وفداً من العرب ويسمع منهم فوافق كسرى على ذلك وقدم وفد العرب وعلى رأسه
أكثم بن صيفي وهو :
أكثم بن صيفي بن رباح بن الحارث بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم وكان يكنى أبا حفادة.
فألقى هذه الخطبة بين يدي كسرى:
قال :
إِنَّ أفضلَ الأشياءِ أعاليها وأعلى الرِّجالِ مُلوكُها وأفضلَ الملوكِ أعَمُّها نفعًا وخيرَ الأزمنةِ أَخْصَبُها وأفضلَ الخُطَباءِ أَصْدَقُها الصِّدقُ مَنْجَاةٌ والكَذِبُ مَهْوَاةٌ والشَّرُّ لَجَاجَةٌ والحَزْمُ مَرْكَبٌ صَعْبٌ والعَجْزُ مَرْكَبٌ وَطِيئٌ آفَةُ الرَّأي الهوى والعَجْزُ مِفْتاحُ الفَقْرِ وخيرُ الأمورِ الصَّبرُ حُسْنُ الظَّنِّ وَرْطَةٌ وسُوءُ الظَّنِّ عِصْمَةٌ إِصلاحُ فَسَادِ الرَّعِيَّةِ خيرٌ مِن إِصلاحِ فَسَادِ الرَّاعِي مَن فَسَدَتْ بِطَانَتُه كان كالغاصِّ بالماءِ شَرُّ البِلادِ بِلادٌ لا أميرَ بها شَرُّ الملوكِ مَن خَافَهُ البَرِيءُ المَرْءُ يَعْجَزُ لا مَحَالَةَ أفضلُ الأولادِ البَرَرَةُ خيرُ الأعوانِ مَن لم يُرَاءِ بالنَّصيحةِ أَحَقُّ الجنودِ بالنَّصرِ مَن حَسُنَتْ سَريرتُهُ يكفيكَ مِن الزَّادَ ما بَلَّغَك المَحَلَّ حَسْبُك مِن شَرٍّ سَمَاعَهُ الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهُ البلاغةُ الإيجازُ مَن شَدَّدَ نَفَّرً ومَن تَرَاخَى تَأَلَّف .
و لما انتهى من خطبته أعجب به كسرى وقال له: لو لم يكن للعرب غيرك لكفى.
ومن وصيته لأبنائه قوله:
يابني تميم: الصبر على جرع الحلم أعذب من جني ثمر الندم ومن جعل عرضه دون ماله استهدف الذم وكلم اللسان أنكى من كلم الحسام والكلمة مرهونة مالم تنجم من الفم فإذا نجمت فهي سبع محرب أو نار تلهب ولكل خافية مختفٍ ورأى الناصح اللبيب دليل لا يجور ونفاذ الرأي في الحرب اجدى من الطعن والضرب.
فكان أكثم سيد قومه وخطيبهم وحكيمهم عاش سيدا كريما وبقيت ذكراه تروى على الألسن.
إعداد: مروان مجيد الشيخ عيسى
تحرير: حلا مشوح