سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
لاتكاد تمر في أي شارع من شوارع سوريا، إلا وتقابل أطفالا أو نساء أو رجالا ،يبحثون وسط الحاويات وأكياس الزبالة ،فقد تحوّل العمل في نبش القمامة إلى مهنة منافسة في السوق السورية تجذب الكثيرين، وبشكل خاص في مناطق النظام السوري ، التي تطورت فيها المهنة مع اتساع شريحة العاملين بسبب العوائد المالية المرتفعة التي توفرها وتوسّع سوق تجارة الخردة، فضلاً عن تنامي حركة تهريبها إلى الأراضي اللبنانية.
وتصاعدت ظاهرة النباشين في مناطق النظام خلال السنوات الماضية، رغم القرارات التي أصدرتها وفرضها عقوبات تصل إلى السجن بحق النباشين، إلا أنها لم تشكل رادعاً بالنسبة إلى العاملين في هذا المجال، بسبب التغاضي عن تطبيقها، خاصة أن هذا العمل بات مورداً لمواليه.
ومع استفحال حالة الانهيار الذي يعيشه القطاع الصناعي وندرة فرص العمل المتاحة وقلة الأجور، اضطر كثير من السوريين للعمل في نبش القمامة وجمع الخردة من البلاستيك والحديد وغيرها، لتتحول مع الوقت إلى مهنة يجنون من خلالها قوت يومهم.
فرؤية أحد الأشخاص يجر عربة محملة بالخردة وشاب يفرز النفايات، لم تعد بالظاهرة الغريبة على المجتمع، لكثرة العاملين فيها والمكاسب المالية التي يجنونها.
ويؤكد أحدهم أن الظاهرة بدأت تستفحل حتى وصلت إلى تفضيل الكثير من الأهل عمل أبنائهم بنبش القمامة على تعلُّم مهنة، بعد أن كانت مقتصرة على فئات محددة ممن لفظهم سوق العمل أو المضطرين من ضحايا الحرب الذين لا يملكون حرفة يعتاشون منها.
ويقول آخر: قبل فترة قمنا بتشغيل أحد الصبية بعمر 16 سنة في ورشة لتصليح السيارات لمساعدة والده في مصاريف المعيشة الصعبة، قبل أن نفاجئ برؤية الصبي يجر عربة ويجمع الخردة من بلاستيك وكرتون وغيره،فعرفنا بعد ذلك أن والده جره إلى هذا العمل، بسبب قلة أجره الأسبوعي في ورشة التصليح الذي يمكنه جمعه بيومين أو أقل من الخردة، فضلاً عن تأمينه ما يستطيعون حرقه من المواد للتدفئة شتاءً، وهذا يغنيهم عن دفع ما لا يقل عن مليون ليرة تكاليف الطاقة.
لكن العمل في جمع وتجارة الخردة، لم يعد حكراً على فئة معينة من المجتمع، فقد صارت تشمل طلاباً وموظفين ومتقاعدين، جراء الأزمات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر لتتجاوز 90 في المئة من السوريين، وتفاقم البطالة وانهيار العملة والتضخم.
ويوضح موظف في المؤسسة الاستهلاكية بدمشق، أن امتلاكه لسيارة حمل صغيرة دفعه لدخول هذا المجال، بعد معرفته بتكاليف النقل التي يتحملها النباشون للوصول إلى المعامل والتجار.
ويقول: في البداية كنت أقوم بنقل الخردة إلى المعامل والوسطاء، لكن وبعد فترة من العمل بدأت ببناء شبكة معارف مكنتني من توسعة نشاطي، وصرت أقوم بشراء الخردة بالسعر الذي كان يدفعه الوسطاء للنباشين ثم بيعها للتجار المباشرين، فضلاً عن شراء الخردة من المنازل.
ويوضح بأن ما يجنيه من نقل الخردة وبيعها أكثر من الراتب الذي يتحصل عليه من عمله الحكومي الذي يبلغ 70 ألف ليرة باعتباره موظفاً بعقد سنوي.
ورغم تحميل غالبية السوريين الحرب سبب تزايد ظاهرة النباشين وانتشارها، لكن مالك سابق لمعمل تدوير البلاستيك في حلب يختلف مع أصحاب هذا الرأي، ويعتبر أن مهنة فرز القمامة موجودة منذ سنوات طويلة.
ويوضح أن انتشارها مر بعدة مراحل وكلّ منها تأثر بعوامل مجتمعية واقتصادية كثيرة، حتى وصلت إلى توصيف المهنة بحسب معايير المجتمع، وبدأ السكان يلاحظون وجود العمال بعد أن كان نشاطهم يقتصر غالباً على ساعات الليل.
وعن المراحل التي مرت بها، يشرح قائلاً: عام 2006 كان بداية النقلة في مجال تجارة وجمع الخردة والنفايات، حيث بدأت بالانتشار بين العاطلين عن العمل وعمال جمع القمامة بشكل رئيسي، وذلك بسبب وفرة المواد الخام وفشل النظام بالتخلص منها، وبعد عامين تقريباً وبشكل خاص مع انفتاح سوريا على السوق التركية، ازدهرت هذه المهنة وبدأت بالتوسع بشكل كبير لعدة أسباب، أهمها، ظهور سوق كبير لتصريف الخردة بأسعار مغرية وافتتاح الكثير من معامل تدوير المواد من بلاستيك وحديد وبقية المعادن.
فهذه التغيرات كان يقف خلفها عوامل كثيرة، منها الجفاف وانتقال سكان الأرياف إلى المدن، وأيضاً تضرر الصناعة في سوريا مع توقف عشرات المهن بسبب تدفق البضائع التركية إلى السوق السورية، وبالتالي ازدادت الأيدي العاملة وأخذت عملية فرز القمامة تأخذ طابعاً مهنياً في السوق.
و مع بداية الحرب توقف قطار المهنة لسنوات، قبل أن تعود وبقوة بحماية المليشيات والقوى المسيطرة على الأرض التي جعلت منها مصدر تمويل وجمع للثروة على حساب المسحوقين من الشعب، وبشكل خاص مناطق سيطرة النظام السوري ، حيث نجد اهتماماً لافتاً بالخردة بسبب الأرباح الضخمة التي يجنونها وتنوع طرق الحصول عليها.