تتخذ أوربا سياسة أمنية عميقة و جديدة ، ضمن وثيقة وصفت الوضع الراهن بالحرائق المشتعلة من جبل طارق إلى أوكرانيا وأشارت أوربا بشكل واضح وقوف موسكو وراء جميع الأزمات التي تهدد الأمن الأوربي .
وحددت الوثيقة أو بما أسموها “البوصلة الاستراتيجية” ، مهلة زمنية لا تتجاوز نهاية العام الحالي لتشكيل قوة التدخل السريع الأوربية المشتركة ، تتكون هذه القوة من 5 آلاف جندي ، وستجري مناوراتها الأولى مطلع عام 2023 .
ونفى جوزيب بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية تشكيل جيش أوربي واحد.
وأكد على ضرورة تعزيز التنسيق بين الجيوش الوطنية وزيادة الموازنات الدفاعية ، علما أن هذه الموازنات الدفاعية الأوربية حاليا تساوي 3 أضعاف الموازنة الروسية ، وتوازي موازنة الدفاع الصينية .
وتدعو الوثيقة الجديدة المفوضية الأوربية إلى إعداد اقتراح سريع لإعفاء الصناعات والمشتريات الحربية الأوربية من ضريبة القيمة المضافة بهدف زيادة القدرات العسكرية وتفعيلها.
وحددت البوصلة الاستراتيجية “الصين” ضمن التحديات واصفة إياها ب “الخصم البنيوي” الذي يعزز قدراته العسكرية وترسانته النووية بسرعة كبيرة.
وأوضحت البوصلة أهمية واشنطن والحلف الأطلسي مع ضرورة الاتجاه لتحقيق قدرة عسكرية ذاتية كافية لمواجهة التهديدات الإقليمية والدولية .
البوصلة الاستراتيجية بدأت منذ عامين لوضع سياسة الأمن والدفاع الأوربي وكلف جوزيب بوريل بإعدادها.
قدم بوريل أربع مسودات قبل أن يتم الاتفاق على المسودة الأخيرة في اجتماع وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوربي يوم الإثنين في بروكسل.
لم تكن هذه الوثيقة معلنة أو تم الاتفاق عليها سابقا ولكن الحرب الروسية على أوكرانيا دفعت الاتحاد يتجه بهذا الاتجاه.
أوربا تجد نفسها أنها مكشوفة دفاعيا أمام اعتداءات اعتبرها الكثير من الأوربيين أنها من القرن الماضي ، ولا يمكن أن تحصل هذا القرن كقيام روسيا بغزو أوكرانيا كان أمرا غير ممكن ولكن التخوف كان لأن الحرب فعليا بدأت وهي في قلب أوربا وكان من أهم نتائج هذه الحرب أنها وحدت الدول الغربية ، كالاتحاد الأوربي من جهة والحلف الأطلسي من جهة أخرى.
سابقا كان التخوف من قيام الدعوة إلى قيام دفاع أوربي أن يكون دعوة لإزالة المظلة النووية الأطلسية والأمريكية .
والوثيقة المسماة “البوصلة الاستراتيجية ” حلت هذا الخلاف وأن ماسيقوم به الأوربيون على صعيد الدفاع سيكون إلى جانب الحلف الأطلسي وليس بديلا عنه ، وهذه كانت التسوية التي اتفق عليها الجميع.
وتسمية الوثيقة بهذا الاسم أي أن الأوربيون لديهم خريطة طريق دفاعية وأمنية ستمتد وستكون جاهزة وفاعلة من اليوم وحتى عام 2030 بانتظار أن يوافق القادة الأوربيون في اجتماعهم المقبل على هذه البوصلة.
يرى محللون سياسيون أن الاتحاد الأوربي سابقا كان ماردا اقتصاديا وماردا تجاريا ولكنه كان قزما سياسيا وأمنيا ودفاعيا ، وكان التنسيق شبه غائب بين الدول الأوربية على المستوى الدفاعي ، ولم يكن هناك شيء اسمه جيش أوربي وعقيدة دفاعية أوربية ، وهذه البوصلة ستحدد التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوربي ، الحرب السيبرانية ،الاعتداءات الروسية، دور الصين، و الهجرات ،وكيفية توفير الأمن والاستقرار فيما يسمى الجوار الأوربي الذي هو الشرق الأوسط ،والبحر الأبيض المتوسط ، وبلدان الساحل الإفريقية.
هذه البوصلة الاستراتيجية ستحدد إلى أين سيذهب الغرب ويعرفون من هو العدو وماهي الآليات الدفاعية التي عليهم اللجوء إليها للمحافظة على مصالحهم.
سابقا أوربا تنتظر إشارة من واشنطن حيث تعتبر الطرف المقرر في الحلف الأطلسي.
أوربا اليوم تسعى لتكون في وضعية تمكنها من الدفاع بقدراتها الذاتية عن مصالحها الأوربية الخاصة.
ماكرون كان أول المطالبين بالاستقلالية الاستراتيجية الأوربية ، ولقى مطلبه قبولا من الجانب الأوربي والخلاف بقي حول أن هذه الاستراتيجية هل ستعني استقلالية عن الحلف الأطلسي.
هناك مادة أساسية في الوثيقة ألا وهي أن الاتحاد الأوربي سيفعل المادة 42 الفقرة السابعة من ميثاق ليشبونا للاتحاد الأوربي.
والتي تعني أن أي اعتداء على أي دولة أوربية يجب أن يتبعه وبشكل آلي مساعدات ومساندات وتضامن من كل أعضاء النادي الأوربي إلى الدولة المعتدى عليها .
البيان أشير به إلى فلندا والسويد والنمسا ومالطا وقبرص كلها أعضاء في الاتحاد الأوربي ولكنها ليست أعضاء في الحلف الأطلسي .
يريد الحلف أن يكون لديه مايشبه المادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي ، هذه ستحل مشكلة مثل المشكلة الأوكرانية كونها ليست عضوا في الاتحاد الأوربي.
وهذا سيحل مشكلة دخول وانضمام هده الدول للحلف أيضا خوفا من إعادة روسيا باستنساخ السيناريو الأوكراني في تلك الدول ومعارضة الانضمام.
وتفعيل هذه المادة سيكون فقط على الدول الأعضاء في حلف الناتو .