لو تجبرنا في عهد الفتوى والمفتي فهو قديم جدا يعود إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثم إلى الصحابة الكرام من بعده ثم التابعين إلى نشأة المذاهب وانتشارها في البلاد ومع توسع الدولة الإسلامية صار لكل بلد أو ولاية مفت يقوم بعمل القاضي والإفتاء معا ثم نشأت دور القضاء والعدل فصار منصب القاضي مختلفا عن منصب المفتي ولقد مر على الشام وأقصد بها دمشق من القرن العاشر الهجري حتى نهاية القرن الثاني عشر ٣٦ مفتيا أولهم الشيخ شمس الدين محمد بن رمضان الدمشقي المتوفى سنة ٩١٣ للهجرة وآخرهم الشيخ عبد الله بن محمد بن طاهر بن عبد الله الحسيني المرادي الدمشقي المتوفى سنة ٢٠٦٠ للهجرة رحم الله الجميع
أما في القرن الرابع عشر فقد لمع نجم الشيخ العلامة الطبيب المفتي أبو اليسر عابدين رحمه الله تعالى المتوفى سنة ١٤٠١ للهجرة وبحسب ما قرأنا وعرفنا عن هؤلاء العلماء الكرام رحمهم الله تعالى جميعا فإنهم كانوا جميعا من أهل علم وتقوى وورع وما عهد عن أحدهم المحاباة والتملق رحمهم الله وأحسن إليهم إلى أن جاء عهد من أخذ بالبلاد إلى مرحلة مظلمة قرابة نصف قرن ما مر على الأمة الإسلامية شبيه لها من الفساد والظلم والطغيان وهو عهد حافظ الأسد ومعه مفتيه الشيخ أحمد كفتارو ثم ابنه بشار الأسد ومعه خليفة كفتارو وتلميذه الشيخ أحمد بدر الدين حسون عليهما من الله ما يستحقانه لما فعلوا في البلاد والعباد ولا أريد التعمق في كيفية نيلهما منصب مفتي الجمهورية فهذا أمر يطول بحثه ولا سيما أن عهدهما قريب والكثير يعلم عمالتهما للنظام الأسدي فبذلك فازا برضاه وقربه وفي هذه الأيام قام رأس النظام السوري بشار بإصدار قرار يلغي من خلاله منصب المفتي العام للجمهورية ولا شك أن هكذا قرار يحمل في طياته جريمة عظيمة كيف لا ومصدره مجرم في حق شعبنا المسلم وثقافتنا الإسلامية العريقة وتاريخنا العربي وإرثنا الحضاري
لقد اجترأ على توقيع هذا القرار رئيس غير شرعي لدى غالبية الشعب السوري ومنهم ضعفاء شعبنا المظلومين هؤلاء الذين يرزحون تحت سطوته وظلمه وفساده بل إن العديد من أبناء ملته لا يعترفون به ضمنيا ويكرهونه ولكنهم أجبروا على الرضوخ والاستسلام خوفا على أرواحهم ومنهم من صرح بذلك علانية وبما أن الصادر عنه القرار غير معترف به أصلا ولا يعتبر رئيسا شرعيا فإن أي قرار يصدر عنه هو غير شرعي من باب أولى وما بني على باطل فهو باطل فالقيام بإلغاء منصب متعلق بالدين ويعرفه السوريون منذ عقود بل منذ قرون يعتبر انتهاكا صريحا للمسلمين السنة في سورية بل الخطوة التالية في عملية التغير الديمغرافي التي بدأ بها منذ بداية الثورة السورية حيث قام بتهجير السوريين السنة بشتى الوسائل ثم استقدم الشيعة فوطنهم وسمح لهم بالاستيلاء على بيوت وأراضي وعقارات المواطنين السورين السنة ثم منحهم الجنسية السورية وبعد ذلك جاءت المرحلة الآن بحذف الصفة الدينية للمفتي العام وهذا ماتريده إيران.