سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
هويات شخصية باتت متداولة في سوريا الآن، “الهويات الأساسية من النظام السوري، وهوية مناطق الحكومة المؤقتة المدعوة من تركيا، والآن هويات من تحرير الشام”.
هذا الإصدار للهويات في مناطق سلطات الأمر الواقع، يعتبره مراقبون مدخلا يمكن من خلاله تكريس فكرة التقسيم لسوريا
من المؤكد أن هذه الخطوات تعزز المشاريع التقسيمية للجغرافية السورية، وإقرار الهوية الشخصية لمناطق معينة عامل أساسي في هذا التكريس التقسيمي، وذلك بالتزامن مع تنامي شعور عدم إمكانية التعايش مع الغير، وهو ما يُلاحظ مع زيادة الحديث الطائفي وغيره.
فزعيم “هيئة تحرير الشام”، محمد الجولاني، يعمل من خلال ما تسمى “حكومة الإنقاذ”، على مشروع تقسيمي خاص به، وسيعزز العمل على ذلك في حال لم يجد له مكانا في سوريا خلال المرحلة القادمة، وهذه الهويات هي البداية في هذا المشروع.
وزارة الداخلية، في مايسمى بحكومة الإنقاذ، أعلنت أن الهوية الجديدة تدعم الاسم باللغة الإنكليزية، فمن يملك جواز سفر أو شهادة جامعية ومدون عليها اسمه باللغة الإنكليزية، يُفضل أن يحضر معه الوثائق الخاصة ليكتب الاسم بالهوية مطابقاً لوثائقه.
ولكن في خط مخالف لمعظم قوانين إصدار الهويات الشخصية، بيّنت الوزارة أنه لا مانع إذا تقدم الشخص بطلب عوضا عن إخوته أو زوجته أو أبنائه أو والديه، أو عن شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن لهم ظروف خاصة ولا يستطيعون التقدم بالطلب، بشرط أن يكونوا من نفس محل القيد، ولا يزيد عدد المُقدم عنهم عن خمسة أشخاص، حيث تشترط معظم قوانين إصدار الهويات أن يحضر صاحب العلاقة شخصيا، مع أخذ بصمة لليد أو للعين كما في معظم الدول حاليا.
وهناك بحسب مراقبين تبرز مخاوف من أن تقوم ماتسمى بحكومة الإنقاذ، بتوجيه من الجولاني، بمنح الهويات الجديدة للأجانب، وأعدادهم كبيرة وهذا ما يمهّد لأن يكونوا سوريين في المستقبل.
فاحتمال منح الهويات الجديدة للأجانب أمر حتمي، فحكومة الإنقاذ، الوجه المدني لـ”هيئة تحرير الشام”، قائمة على الإيديولوجيا، لذا تعتبر المسلمين من غير السوريين أقرب لها من السوري غير المسلم، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، هؤلاء عماد قوتها العسكرية الحامية لحدود سيطرتها، بعد أن اتجهت الهيئة وقوتها العسكرية والأمنية لتكريس حكمها في مناطق سيطرتها، دون وجود حقيقي ووازن لها على الجبهات، وهذا أمر مجهول للكثيرين، وعليه فمنح البطاقة السورية لهؤلاء واجب ديني إضافة لكونها خطوة براغماتية نفعية.
ومنح الهويات الجديدة للأجانب خطر كبير، إذ من شأنها أن تؤثر على مناطق سيطرة “الهيئة” ديموغرافيا على حساب السوريين هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن وجودهم سيشكل اليد الضاربة لـ”الهيئة” وبهذا يضمن الجولاني، عدم قدرة وقوف أي من السوريين في وجهه خاصة أن “الهيئة” تعمل على السيطرة على كل مفاصل الحياة من خلال أنظمة وقوانين، إضافة إلى تدخلها في إنشاء النقابات وغيرها.
ففي مطلع شهر أيار 2022، أعلنت ماتسمى بحكومة الإنقاذ”، في إدلب عن تأسيس “نقابة المعلمين السوريين الأحرار”. وكانت قد أعلنت، منتصف شهر نيسان من العام نفسه، قرارا يقضي بإحداث “الاتحاد العام للفلاحين”، بالتنسيق مع وزارة الزراعة والري التابعة لها. وجاء هذا القرار بعد عدة قرارات اتخذتها في الإطار ذاته، أهمها إحداث المديرية العامة للمشتقات النفطية. وخلال الفترة نفسها عقدت “حكومة الإنقاذ”، لقاءات مع نقابة الصيادلة والمهندسين .
فهناك تركيزا واضحا من حكومة الإنقاذ على تعزيز العمل النقابي في إدلب، على طريقتها. ففي المجتمعات الديمقراطية تتمتع النقابات والاتحادات بحرية كبيرة، وتكون بعيدة عن توجهات السلطة، أي تغيب عنها معايير السيطرة والتوجيه والأدلجة من قبل مؤسسات سلطات الأمر الواقع. لذلك تسارع الإنقاذ، ومن وراءها هيئة تحرير الشام، إلى إنشاء نقابات على هواها، أو التغلغل في النقابات القائمة، كي تكون تحت مراقبتها”.
والهدف من تشكيل النقابات في إدلب هو أن يتم تصديرها إعلاميا في إطار مأسسة العمل التنفيذي للهيئة وحكومتها، ولكن واقع الأمر هو أن الهيئة تعمل على تأسيس ما يشبه الجبهة الوطنية التقدمية، التي تقودها حكومة دمشق، بأدوات ومنهج جديد. وعلى أي حال، نجاح هذه التجربة متعلق بقدرة حكومة الإنقاذ في الاستمرار، وهذا غير وارد، وسط الاستياء الشعبي ضد هيئة تحرير الشام، الذي قد يولد موجة من الاحتجاجات الكبيرة في أيّ لحظة، في ظل غياب أبسط مقومات الحياة في إدلب وانعدام الاستقرار”.
فمساعي تحرير الشام في التحكم بجميع القطاعات، ومن ضمنها العمل النقابي في إدلب، لن تنجح دون وجود بيئة حوكمة وشفافية، وهو ما تفتقده حكومة الإنقاذ التابعة لها، لذلك فمن المتوقع أن لا تُحدث هذه المؤسسات أثرا حقيقيا”.