النظام السوري والميليشيات الشيعية في سوريا المستفيد الأكبر من الكبتاغون

سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى 

خلال عشر سنوات من حرب مدمرة، تغيّرت خارطة سوريا، رُسمت خطوط جديدة ومعابر داخلية تفصل بين المناطق، لكن شيئاً واحداً بدا وكأنه عابر للتقسيم ولخطوط التماس فتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشر مليارات دولار: الكبتاغون.

والمسألة أكثر تعقيداً من كون الكبتاغون مجرد حبوب سحرية ارتبط اسمها بتنظيم الدولة “د ا ع ش”، فهذا المخدر يدرّ مدخولاً هالاً على أطراف متنوعة في بلد أنهكت الحرب اقتصادها.

تجارة المخدرات وتحديدا حبوب “الكبتاغون” تُعد من أهم مصادر الدخل للميليشيات الإيرانية وللنظام السوري أيضا، وقيمتها تتجاوز المليارات بالعملة الصعبة.

نتيجة لهذه الأعمال غير المشروعة، طالت العقوبات الغربية النظام السوري وشخصياتها، ومؤخرا استهدفت الولايات المتحدة وبريطانيا عددا من الشخصيات داخل النظام  ومرتبطة بها مباشرة، فضلا عن أفراد لبنانيين مرتبطين بميليشيا ”حزب الله” والنظام السوري، يشرفون على عمليات تهريب هذه الحبوب المخدرة.

هذا الأمر ككل أثار عدة تساؤلات حول أهداف ميليشيا طهران للقيام بمثل هذه الأعمال داخل الأراضي السورية، وما إذا كانت ستحوّل المناطق السورية إلى ساحة لتجارة المخدرات كما فعلت في لبنان، بالإضافة إلى تداعيات ذلك على سوريا ككل، وأخيرا إذا كان سلوك إيران سيؤدي بسوريا لمواجهة المزيد من العقوبات الأوروبية والأميركية، ومن ثم تُدخِل البلاد في أزمات وعقبات تجعلها في نهاية العالم من التقدم والتنمية العالمية على مختلف المستويات.

خلال السنوات الماضية ضُبطت المئات من عمليات تهريب المخدرات على حدود العراق والأردن والسعودية ودول أخرى في المنطقة وحتى دول أوروبية، وكلها كانت قادمة إما من سوريا أو لبنان، وفي الشهر الماضي فقط تمكنت المملكة العربية السعودية من إحباط تهريب أكثر من مليوني حبة “كبتاغون” مخبأة في منتج البندورة والرمان في شحنة إلى المملكة عبر معبر “الحديثة” الحدودي البري للسعودية مع الأردن.

وقالت “هيئة الزكاة والضريبة والجمارك” السعودية في المنفذ الحدودي، في بيان لها، الشهر الماضي، إنها تمكّنت من إحباط محاولة تهريب كمية من حبوب الكبتاغون بلغت مليونين و15 ألفا و110 حبة، عُثِر عليها مُخبأة في إرسالية واردة إلى المملكة عبر المنفذ.

وكان السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، أعلن في 30 آب الماضي، أن السلطات السعودية ضبطت 700 مليون من الحبوب المخدرة قادمة من لبنان منذ العام 2015.

وعلقت السعودية في عام 2021، استيراد الفواكه والخضار من لبنان أو السماح بمرورها على أراضيها بعد ضبط شحنة ضخمة من حبوب الكبتاغون مُخبأة ضمن شحنة رمان.

كذلك في منتصف الشهر الفائت أعلن العراق ضبط أكثر من ثلاثة ملايين حبة من الكبتاغون المخدّرة على الحدود مع سوريا، وهي نوع من “الأمفيتامين” المحفّز ازداد تهريبها بشكل كبير خلال السنوات الماضية في الشرق الأوسط.

وضبطت هذه الحبوب التي كانت مخبأة داخل صناديق تفاح، في منفذ “القائم” الحدودي الذي يربط بين محافظة الأنبار الواقعة في غرب العراق ومحافظة دير الزور، بحسب بيان لـ”هيئة المنافذ الحدودية العراقية” مؤخرا.

خلال الأشهر الأخيرة، كثّفت السلطات العراقية عمليات ضبط المخدرات. ووجد العراق الذي يملك حدودا مع سوريا والسعودية وإيران والكويت، نفسه معبرا لعمليات تهريب الكبتاغون، المادة المخدرة التي يجري تصنيعها خصوصا في سوريا وتهرّب وتستهلك لا سيما في الخليج، وفق العديد من التقارير والتحقيقات.

وقال مسؤول في هيئة المنافذ الحدودية لوكالة فرانس برس مفضلا عدم الكشف عن هويته، إن الحمولة القادمة من سوريا والتي دخلت العراق، كانت مؤلفة حصريا من حبوب كبتاغون ذات مصادر تصنيع مختلفة.

بالتالي يظهر هذا حجم انتشار تجارة المخدرات في سوريا، والحجم الكبير للتهريب وأساليبه المتقدمة إلى قدرة إنتاجية أكبر وخبرة فنية تفتقر إليها الكثير من الجهات الفاعلة غير الحكومية.

العديد من التقارير الصحفية كشفت أن مصدر هذه الحبوب من ميليشيا إيران ولا سيما حزب الله، وأن مصدر تصنيع حبوب الكبتاغون يعود إلى الأراضي السورية، إذ يقوم حزب الله وبالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني والنظام السوري، بتصنيع هذه المخدرات ومن ثم تصديرها عبر الأردن ولبنان إلى دول الخليج ومن العراق وتركيا إلى الدول الأوروبية.

وبعد انخفاض دخل إيران من الأموال بسبب العقوبات المفروضة عليها، ولا سيما في مجال تصدير نفطها، الأمر الذي أدى إلى تراجع اقتصادها بشكل كبير، وبالتالي انخفض تمويلها ودعمها المالي لميليشياتها الموجودة في المنطقة وتحديدا في سوريا ولبنان.

لذلك، طلبت طهران من ميليشياتها تأمين مصدر تمويل بأنفسهم، ما دفعهم إلى القيام بعدد كبير من الأعمال والقضايا غير المشروعة واللا قانونية، بما في ذلك تصنيع وتهريب المخدرات، فقد أصبحت سوريا اليوم مثل لبنان ساحة تجارة للمخدرات الإيرانية، لكن سوريا تختلف عن لبنان في نقطة أساسية، إذ لا تسعى طهران للاستفادة من هذه التجارة في لبنان وإنما فقط الأمر متروك لميليشياتها من حزب الله أن يمتهنوا هذه الأعمال لتمويل أنفسهم دون اللجوء إلى طهران.

أما بالنسبة لسوريا، فإن إيران تقاسم أرباح تجارة المخدرات هذه مع الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري بقيادة ماهر الأسد، ومع مجموعة من القوات الأخرى التابعة للنظام السوري والميليشيات والفصائل الإيرانية الأخرى بمعنى آخر، فقد جعلت طهران من الفصائل والقوى التابعة لها بشكل أو بآخر على القيام بكل الأعمال غير المشروعة لتمويل نفسها والالتفاف على العقوبات الغربية، مثل ما يفعل النظام السوري اليوم بالضبط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.