العلاقات السورية التركية حين نالت سوريا استقلالها في العام 1946، لم تكن في حالة طبيعية وصولًا إلى نهاية القرن العشرين، بل سادت حالة من العداء والتأزم مجمل هذه الفترة المديدة، وذلك على خلفية أسباب عديدة، أهمها ضم تركيا لأراضي واسعة من سوريا أهمها كان لواء إسكندرون عام 1938 بمؤازرة الانتداب الفرنسي، واختلاف الخيارات والتحالفات الإستراتيجية لكلا البلدين، حيث اختارت تركيا السياسات والتوجهات الأطلسية الغربة الرأسمالية، في حين انحازت أغلب الحكومات السورية إلى التوجهات اليسارية والاشتراكية.
في الأول من تشرين الأول/أكتوبر عام 1998، أي في مثل هذا اليوم قبل 23 عاما. بلغ التوتر بين تركيا وسوريا ذروته
حيث هدّد الرئيس التركي سليمان ديميريل باجتياح سوريا إن بإيواء عنظامها بد الله أوجلان زعيم تنظيم PKK الذي كان ينفذ اعتداءاته الدموية بحض الشعب التركي انطـ.ـلاقا من الأراضي السورية.
وإثر تهـديدات ديميريل أذعن رئيس النظام السوري الراحل حافظ الأسد. حيث بدأت تركيا يومها بحشد قوات كبيرة على الحدود مع سوريا. بانتظار إشارة ديميريل لبدء الاجتياح في أية لحظة.
لكن سرعان ما انقلب الحال. متأثراً بقلب تركيا الطاولة على من يتآمر عليها ويدعم تنظيم PKK وزعيمه أوجلان.
وتبلور هذا التبدل من خلال توقيع اتفاق أضنا، الذي كان اتفاقاً أمـ.ـنيا سريا بين تركيا وسوريا عام 1998، لتبدأ بعده مرحلة جديدة من التقارب التدريجي.حيث وقّع البلدان لاحقاً عشرات الاتفاقيات في مجالات متعددة. قبل أن تندلع الثورة السورية عام 2011 وتنحاز تركيا للشعب السوري.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي انتهت عام 1918، وقعت تركيا وفرنسا اتفاقاً يقضي بترسيم الحدود بين الأراضي التركية والأراضي السورية.
فيما بعد، شهدت العلاقات التركية السورية حتى عام 1998 توترات متفاوتة الحـدة. فخلال تلك الأعوام استمدت سوريا قوتها من تحالفها مع الاتحاد السوفياتي في فترة زمنية مفصلية. أفرزت نظاماً عالمياً ثنائي القطبية وسط أجواء الحرب الباردة مع القوة الدولية المواجهة المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية.
ويرجع سبب تهـديد ديميريل للأسد باجتياح سوريا. إلى الدعم الذي استمرت دمشق بتوفيره لتنـظيم PKK، ومساعدته لإطلاق اعتداءاته المسلّحة على تركيا منذ عام 1984، فتحول ذلك إلى العامل الأكبر في توتر العلاقات بين أنقرة ودمشق خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي
فقد وجد زعيم PKK عبد الله أوجلان مأوى له في العاصمة السورية دمشق، وسمحت سوريا لتنظيمه بتأسيس معسكراتٍ تدريبية على أراضيها، ثمّ في البقاع اللبناني في عهد الوصاية السورية على لبنان.
هذا الأمر استفزّ تركيا التي لا يمكن أن تقبل بتهديد تنظيم PKK لأمنها القـ.ـومي، فبدأت منذ بداية عام 1996 بتحذير نظامَ الأسد الأب من مغبّة الاستمرار بدعم PKk، مهددةً أنها ستضطر لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لحفظ أمنها القوميـة
وأمام مُضي نظام الأسد بدعم أوجلان وتوفير ملجأ آمن له، بلغت الأزمة السياسية ذروتها بين تركيا وسوريا في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1998.
وأمام مشهد الحشود العسكرية، أدرك حافظ الأسد جدية التهديدات، فتتابعت الوساطات الإقليمية لاحتواء الأزمة، شاركت فيها كلٌّ من جامعة الدول العربية ومصر وإيران.
وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر 1998 أسفرت هذه الوساطات عن توقيع اتفاقٍ أمنيّ في مديـنة أضنا التركية قدّمت دمشق بموجبه العديد من التنازلات لأنقرة، فشكّل نقطة تحوّل في مسار العلاقات بين الجانبين.
وفق ما توفّر من معلومات وتسريبات حول اتفاق أضنا وملاحقه السرية الأربعة، فقد نصّ على النقاط التالية:
1- التزام سوريا بالتعاون التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهائها جميع أشكال الدعم لتنظيم PKK ، وطرد أوجلان من أراضيها، وإغلاق جميع معسكراته في سوريا ولبنان، ومنع تسلّل مقاتليه إلى تركيا.
2- احتفاظ تركيا بحقها الطبيعي في الدفاع عن النفس وبالمطالبة بتعويضٍ عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات نتيجة هجمات PKK الإرهابيّ، في حـ.ـال لم توقف سوريا دعمها للتنظيم فورا.
3- حصلت تركيا على حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرّض أمـ.ـنها القـ.ـوميـ.ـ للخـ.ـطر.
4- اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية بدءًا من تاريخ توقيع الاتفاق، دون أن تكون لأيّ منهما أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.
انعكاسات اتفاق أضنا
في أعقاب توقيع اتفاق أضنا، انتقلت العلاقات السورية التركية آنذاك من قمّة التوتر إلى وضع لبِنة تقاربٍ بدأ تدريجياً ثم ما لبث أن تسارع، وصولاً إلى الدخول في حوار استراتيجيّ.
وفي 16 أيلول/سبتمبر 2009 اتفق الجانبان على تأسيس “مجلس التعاون الإستراتيجي التركي السوري” الذي ما لبث أن انبثق عنه توقيع عشرات الاتفاقيات في مختلف المجالات.
فإثر تأسيس هذا المجلس بدأ البلدان في تبادل عشرات الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، أبرمَا خلالها أكثر من 30 اتفاقية و10 بروتوكولات ومذكرات تفاهم، تشمل مجالات حيوية مثل الدفاع والأمن والاقتصاد والصحة والنقل والإعلام والثقافة والتعليم والسياحة، كما وقّعا اتفاقية قضت بإلغاء تأشيرات الدخول لرعاياهما.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2009 كشفت وزارة الداخلية التركية أن عدد المطلوبين لديها الذين سلمتها إياهم دمشق منذ عام 2003 بلغ 122 شخصًا، بينهم 77 شخصاً من PKK .
كيف تُرجم اتفاق أضنا؟
بعد الاتفاق، طرد الأسد أوجلان إلى روسيا، ثم انتقل إلى دول أوروبية، واستقر به المطاف في العاصمة الكينية نيروبي، حيث ألقت تركيا القبض عليه في نيروبي في 15 شباط/فبراير 1999 في عملية استخباراتية معقدة.
وأوجلان من مواليد قرية إيمرلي بولاية أورفا جنوبيّ تركيا عام 1948، دخل الأراضي السورية نهاية عام 1979 بعد عام من تأسيسه PKK
وبقيت البنود الدقيقة لاتفاق أضنا سرّية مدة طويلة، إلى أن بدأ يتسرّب بعضها لوسائل الإعلام دون تأكيد رسمي، إلا أن ما قام به نظام الأسد استناداً إلى الاتفاق، أظهر رضوخه للمطالب التركية.
تداعيات الثورة السورية على العلاقات التركية السورية
إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011 توترت مجددا علاقات تركيا وسوريا حين وقفت أنقرة مع الشعب السوري في مطالبه من نظام بشار الأسد الذي لم يستجب للنصائح التركية بالإصلاح.
وفي يوليو/تموز 2012 حذرت الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان (الئريس التركي الحالي) النظام السوري من مغبة التورط في دعم الجماعات الإرهابية المسلحة، في إشارة إلى تنظيم PKK
واتهمت أنقرة لاحقا الأسد بالتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر من أفرع تنظيم PKK . وبتسليم المناطق المحاذية للحدود التركية إلى الميلشيات وخاصة تنظيم PKK/PYD .
وفي 11 مايو/أيار 2016 قال الرئيس الدو.ري للائتلاف الوطني لقـ.ـوى الثورة والمعـ.ـارضة السورية أنس العبدة في مؤتمر صحفي بولاية بيلاجيك التركية إن “بروتوكول أضنا يهيئ الأرضية اللازمة لأنقرة لإقامة منطقة آمنة في سوريا
وفي حال تحقق ذلك وأُقيمت المنطقة الآمنة فإن أنقرة ستكون قد أمنت حدودها، وعندئذ يمكن للسوريين أن يعودوا إلى بلادهم بأ.مان”.
ويرى مراقبون أن عملية “درع الفرات” العسكرية التي أطلقتها أنقرة في صيف 2016 جاءت تطبيقا تركياً لبنود اتفاق أضنا وملاحقه السرية.
المصدر أخبار تركيا