سوريا – مروان مجيد الشيخ عيسى
بعد محاولات بعض الأنظمة العربية، فتح باب التقارب مع النظام السوري، يبدو أن الدول الأوروبية ستواجه بشدة محاولات التطبيع هذه، وقد بدأت بإرسال رسائل سياسية واضحة لجميع الأطراف المعنية في دمشق وعواصم بعض الدول العربية، من خلال تحريك ملفات الجرائم الإنسانية في سوريا، والمتهم فيها شخصيات كبيرة ضمن القيادة المركزية في النظام السوري .
فرنسا أعلنت الثلاثاء عن بدء محاكمة ثلاثة مسؤولين سوريين أمام محكمة الجنايات الفرنسية، بتهمة التواطؤ في قتل مواطنين اثنين سوريين يحملان الجنسية الفرنسية، وهما مازن دباغ ونجله باتريك، اللذان اعتُقلا في سوريا عام 2013، فما تأثير القرار الفرنسي على عجلة التطبيع بين سوريا والدول العربية.
فالأمر الفرنسي جاء عبر قاضيا تحقيق فرنسيان، حيث طالبا بمحاكمة كل من اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري وهي أعلى هيئة مخابرات في سوريا، واللواء جميل الحسن رئيس إدارة المخابرات الجوية السورية، إلى جانب اللواء عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية الموجودة في مطار المزة العسكري.
القرار الفرنسي يفتح الطريق للمرة الأولى في فرنسا لمحاكمة كبار المسؤولين في النظام السوري عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، لكنه يأتي أيضا كرسالة سياسة شديدة اللهجة ردا على محاولات إعادة تعويم النظام السوري، خاصة وأن علي مملوك، ورد اسمه مؤخرا كمسؤول عن ملف التطبيع بين دمشق وبعض الدول العربية، وقد التقى العديد من مدراء المخابرات للدول الراغبة في إعادة العلاقات مع النظام السوري أبرزها تركيا.
خبراء في القانون الدولي وسياسيون، اعتبروا أن أمر قاضيا التحقيق في فرنسا هو خطوة لتعزيز تضييق الخناق على المتهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا، كما أنه رسالة سياسية واضحة لقطع الطريق على كافة محاولات التطبيع، لا سيما من قبل الدول العربي مع النظام السوري.
فالقضاء الفرنسي يمكن له تحريك القضية تجاه المتهمين، باعتبار أن الضحية تحمل الجنسية الفرنسية، خاصة وأن القاضي لديه أدلة توحي بتدخل واشتراك المتهمين الثلاثة بالجريمة المذكورة، الأمر الذي قد يُفضي إلى إصدار مذكرة اعتقال بحقهم لاحقا. مذكرة اعتقال لاحقة؟
فهذه الخطوة ستكون جيدة باتجاه التضييق على المتهمين باقتراف جرائم ضد الإنسانية عبر إعطاء الأوامر، أو من خلال مسؤوليتهم المباشرة عن الأفرع الأمنية التي شهدت عمليات تعذيب، لذلك من الممكن أن تكون هناك أحكام غيابية لاحقا وهذا سوف يؤدي إلى تضييق الخناق على حركة المتهمين.
في حال إصدار مذكرة اعتقال من قبل المحاكم الفرنسية ضد المتهمين الثلاثة، فهذا يعني أن ذهاب أيا منهم إلى دولة موقعة على معاهدة ثنائية مع فرنسا على أية معاهدة تتعلق بتسليم المجرمين للعدالة، سيعني بالضرورة إمكانية المطالبة باعتقالهم عبر الإنتربول الدولي، الأمر الذي سيعيق ما يتم التخطيط له بأن يكون أحد هؤلاء مسؤول عن ملف التطبيع والتواصل مع الدول العربية.
فقرار إحالة المسؤولين الثلاثة إلى محكمة الجنايات خطوة على الطريق الصحيح لمحاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، وهي رسالة إلى السلطة الحاكمة بأن الإفلات من العقاب غير ممكن، رغم البُعد السياسي لهذه القرارات بالنظر إلى توقيتها.